د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
حين عدت من البعثة عام 1405هـ سألت عن معلمي النحو في القسم، فذكر لي منهم الدكتور صالح بن سليمان العمير، وكان قد عُيّن أستاذًا مساعدًا في القسم قبل عامٍ، في (1404م)، بحثت عن مكتبه فوجدته مفتوحًا، وهو مكب على أوراق يعالجها، سلمت عليه فردّ السلام، وقلت له: أنا منذ جئت أسأل عنك، فقال وأنا أسأل عنك. جلست معه وتبادلنا الأحاديث كأنا صديقين قبل هذا، ومنذ ذلك اليوم توثقت عرى المعرفة والصداقة، كان من أكثر الناس اهتمامًا بأمري، فلا يكون أمر متصلًا بأمورنا إلا بادر إلى تنبيهي إليه، حين حدد بدء إيجار المساكن لأعضاء هيئة التدريس لم أعلم بوقته وبمكانه إلا منه، وحين قررت مكافأة استعمال الحاسوب صحبني إلى المسؤول في الجامعة، وحين نشر كتاب (الشاذليات) ذهبت معه لزيارة أستاذنا حسن شاذلي فرهود، ونبهني قبيل دخولنا برفق وأناة إلى أن أستاذنا غضب من طريقة كتابة اسم والده، وكنت كتبته على صفحة العنوان (حسن الشاذلي فرهود)، وحاول الصديق العمير أن يلتمس لي العذر بأن الاسم منسوب فهو حري بالتعريف، وهو أمر لا أعرفه، وحين دخلنا على أستاذنا وجرى الحديث أظهر استياءه من كتابة الاسم، وقال اسم والدي (شاذلي) لا الشاذلي، فلما قلت له إن هذا خطئي هدأ وسامحني، هذه مُثُل من أمثلة كثيرة يحرص أخي صديقي صالح على أن ينبهني إليها.
عرفت أبا سليمان واسع المعرفة بالحياة الاجتماعية، يدهشني بسعة اطلاعه على أنساب الناس وأخبارهم، حدثني عن عمله في شمال المملكة وعن غرائب شهدها هناك، وكان له الفضل علي بتعريفي بزملاء من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، من أوائلهم أستاذنا عبدالله الخثران، وفي يوم أقام وليمة دعا إليها جملة من الزملاء في القسم وجملة من الزملاء في جامعة الإمام عرفتهم في ذلك اليوم منهم تركي بن سهو العتيبي وصالح بن حسين العايد، اللذين توثقت معهما عرى الزمالة والمعرفة والتعاون.
كان الدكتور صالح غزير المعرفة متقنًا لمفردات النحو والصرف، فقد تعلم ذلك في كلية اللغة العربية التي تخرج فيها عام 1390هـ، وصقل التعليم مهاراته اللغوية والإدارية؛ إذ درس في المعاهد العلمية من 1390هـ إلى 1392هـ ثم وكيلًا لثانوية الفيصل 1392هـ إلى 1395هـ، فكان جديرًا أن يكون أكاديميًّا؛ إذ عين في هذه السنة معيدًا في كلية التربية بجامعة الملك سعود لينتظم في برنامج الدراسات العليا في كلية الآداب (كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية)، وتهيأ له أن يكتب رسالة الماجستير وعنوانها (أحرف الجواب في اللغة العربية)، أشرف عليه العلامة الفذ حسن توفيق ظاظا، نوقشت في 1400هـ/1980م، وفي هذا العام عين محاضرًا في كلية الآداب، وواصل العالم الجاد سعيه فانتظم في برنامج الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ليعد رسالة الدكتوراه (النّهْجَة المرْضِيّة في شرح ألفية ابن مالك للسيوطي: دراسة وتحقيقًا)، أشرف عليه النحوي المحقق المتقن محمد بن عبدالرحمن المفدّى، ونوقشت في عام 1404هـ/1984م، وفي هذا العام عيّن أستاذًا مساعدًا، ثمّ أستاذًا مشاركًا في 1409هـ.
هيأت معرفة أستاذنا تراث السيوطي أن يحقق عملًا آخر من أعماله، فحقق (رسالة في معرفة الحلى والكنى والأسماء والألقاب)، نشر في مجلة الدارة: دارة الملك عبدالعزيز، الرياض. س 18، ع 2 (محرم / ربيع الأول 1413هـ، يوليو/ سبتمبر 1992م)، وكذلك (رسالة في حروف الهجاء: أسئلة للسيوطي وأجوبتها للشنواني الشافعيين: دراسة وتحقيق)، نشر في مجلة الدارة: دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، س 15، ع 3 (ربيع الآخر/ جمادى الآخرة 1410هـ، تشرين الثاني/ كانون الأول 1989م./ كانون الثاني 1990م).
وعكف على قراءة كتاب (شرح القصائد التسع) لابن الأنباري قراءة أثمرت جملة من البحوث القيمة، منها (دراسة الظواهر الصرفية المبنية على قراءات قرآنية في شرح القصائد السبع الطوال)، نشر في مجلة بحوث ودراسات اللغة العربية وآدابها، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض ج2، 1408هـ. دراسة لغوية للقراءات الواردة في كتاب ابن الأنباري شرح القصائد السبع، مجلة الدارة: دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، س 14، ع 4 (رجب/ رمضان 1409هـ، فبراير/ أبريل 1989م). و(دراسة الظواهر النحوية في القراءات القرآنية الواردة في كتاب شرح القصائد السبع، لأبي بكر بن الأنباري، مجلة جامعة الملك سعود. الآداب، الرياض، مج 2، ع 1 (1410، 1990م). وأتاحت القراءة تأملًا في مصطلحات ابن الأنباري فكان بحث (مصطلحات أبي بكر الأنباري الكوفية: بحث في مجال الدرس النحوي الكوفي)، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز: الآداب والعلوم الإنسانية، جدة، مج 3 (1410هـ، 1990م). وكان درسه للمصطلحات حافزًا لدرسها عند عالم آخر؛ فكان بحث (المصطلح النحوي عند ابن قتيبة)، نشر في مجلة الدارة: دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، س 17 ع 3 (ربيع الآخر/ جمادى الآخرة 1412هـ، تشرين الثاني/ كانون الأول 1991م/ كانون الثاني 1992م).
هيأته دربته التحقيقية في أعمال السيوطي أن يحقق أعمالًا أخرى، فكان (تحقيق مسألة: «ما» ودراستها عند أبي علي الفارسي)، نشر في مجلة جامعة الملك سعود. الآداب: الرياض، مج 2، ع 2 (1410هـ، 1990م). وكان (شرح المعربات، للكافي؛ تحقيق ودراسة، مركز البحوث، كلية الآداب، الرياض، ط1، 1412هـ، 1991م، و(العقد الوسيم في أحكام الجار والمجرور والظرف وما لكل منهما من التقسيم)، تأليف صلاح الدين صلاح بن الحسين بن يحيى بن علي الأخفش الصنعاني المتوفى سنة 1143هـ/ 1730م، تحقيق ودراسة، نشر في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ع 5 (محرم 1412هـ، يوليو 1991م).
ولد الدكتور صالح بن سليمان العمير في البكيرية (القصيم) 1368هـ، فيها نشأ وتعلم تعليمه الأوّلي، وتطبع بطباع أهل الريف: هدوء الطبع، والرفق واللين، وصدق اللهجة، والعزوف عن المظاهر والبهرجة، واستمرت هذه الصفات ملازمة له لم تغيرها حياة المدينة، وجمع إلى ذلك سعة المعرفة وإتقان علمي العربية الصرف والنحو، وهيأ الله لي أن أشاركه جملة من المناقشات، وكنت أحرص على سماع ملحوظاته الدقيقة القيمة وأتعلم منها، وكان من عزوفه عن المظاهر تجنبه للظهور الإعلامي مطلقًا، فلا تسمعه في إذاعة ولا تراه في تلفاز، ولم يقحم نفسه في برامج النشر على الشابكة. أطال الله عمر أستاذنا ومتعه بالصحة والرضا.