د. عبدالحق عزوزي
أصبح الاتحاد الإفريقي رسمياً عضواً في مجموعة العشرين التي عقدت قمتها منذ أيام في العاصمة الهندية نيودلهي. وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في كلمته الافتتاحية قد صرح قائلاً «بموافقة الجميع، أطلب من رئيس الاتحاد الإفريقي أن يأخذ مكانه كعضو دائم في مجموعة العشرين». وانتقل رئيس الاتحاد الإفريقي بعد ذلك للجلوس إلى جانب قادة دول مجموعة العشرين.
وحصل الاتحاد الإفريقي، الذي يضم أزيد من خمسين دولة، على نفس وضع الاتحاد الأوروبي، التكتل الإقليمي الوحيد الذي يملك عضوية كاملة في مجموعة العشرين. ووضع الاتحاد الأوروبي الحالي هو «منظمة دولية مدعوة».وقد ورد في الإعلان «نرحب بالاتحاد الإفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين ونؤمن أن ضم الاتحاد الإفريقي إلى المجموعة سيسهم بشكل كبير في مواجهة التحديات العالمية في عصرنا».
وأكد مودي بهاته المناسبة أن «العالم يعاني أزمة ثقة هائلة. الحرب عمقت قلة الثقة هذه. وكما أننا قادرون على التغلب على كوفيد فنحن أيضاً قادرون على التغلب على أزمة الثقة المتبادلة هذه».
بداية إصلاح مجموعة العشرين جعلني أفكر في إصلاح منظمة الأمم المتحدة ولماذا لا يتفق الأولون الآخرون على تصور استراتيجي يمكّن هاته المنظمة الدولية من الخروج من سباتها لتكون أكثر تمثيلية وأكثر جدوى.
ولكن هيهات هيهات. فطبيعة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والتطاحنات الاستراتيجية والمصالح الآنية الدائمة تجعلنا دائماً في مسرحية أو كارنفال عقيم أبطالها قوى دائمة تتوفر على حق النقض، واتفقت على أن لا تتفق أبداً، وحتى إذا اتفقت فذلك يبقى حبراً على ورق...
إن إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة، فالدول الخمس الكبرى تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
إصلاح الأمم المتحدة هو شيء ضروري ولكن يبقى رهيناً برغبة الدول الثلاث الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، فهاته الدول مجتمعة ستظل الركائز الأساسية لأية رغبة في الإصلاح، كما أنه يبقى رهيناً بالرغبة المشتركة لدول الجنوب واجتماعها على البلدان التي يمكن أن تمثلها بصفة دائمة داخل مجلس الأمن. الحكامة الدولية صعبة الممارسة والتطبيق والتأصيل ولكن تطويرها أمر لا مفر منه، والأمم المتحدة رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هو المكان الوحيد لتفعيل هاته الحكامة الدولية.
مازلت أتذكر أنه عندما ألقى الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون» كلمة الوداع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبر نفسه طفلاً للأمم المتحدة وشدد على قوة التعاون الدولي في مواجهة التحديات الملحة، مسلطاً الضوء على خطة 2030 للتنمية المستدامة، واتفاقية باريس حول تغير المناخ، باعتبارهما من إنجازاته خلال فترة العشر سنوات التي تولى فيها منصب الأمين العام للأمم المتحدة.... وأياً كان طفلاً أو أباً للأمم المتحدة فإن معايير الاشتغال كأمين عام للأمم المتحدة لا تسعف في تجسيد دور الأمم المتحدة الأول وهو تحقيق السلم في العالم، خاصة وما تملكه من آليات لا يعلى عليها لتحريك عجلة التدخلات لإرغام مرتكبي الحماقات وجرائم الحرب ضد البشرية من التوقف وتقديمهم للمحاكمة.... ولا يجب أن ننسى أن ما اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة من إنجازاته، كالاتفاقية العالمية للمناخ، يبقى رهيناً برغبة الدول العظمى، وها نحن نرى كيف أن العالم مازال يعاني من التهرب من الاتفاقيات الدولية في مجال المناخ وكيف أن البشرية تدفع اليوم ثمن الاحتباس الحراري وثمن الاستغلال اللاإنساني لثروات الأرض التي تؤدي إلى التلوث وأخواتها..
لا الأمين العام السابق ولا أسلافه، ولا الأمين العام الحالي كان بإمكانهم أو بإمكانهم إصلاح مجلس الأمن ولا التأصيل للأدوار الجديدة وميكازمات أخذ القرارات التي يمكن تبنيها لاحقا لدمقرطة العمل الأممي.. فجميعهم يعرفون عملهم والخطوط الحمراء التي رسمتها القوى الدولية لعمل الأمين العام وللمنظمة بأسرها... الإصلاح صعب وما يجري في العالم من أحداث درامية يكون علاجها بين القوى العظمى خارج الأمم المتحدة، وليس داخل هاته المنظمة، هاته هي الحقيقة المرة.