سارا القرني
من الأبيات المشهورة التي يتندر بها الناس ويتحدى بعضهم بعضاً بها لصعوبة نطقها.. البيت الشهير الذي قيل أنه للجن، وذلك لتشابه حروفه وتكرارها.
أما قصته فعجيبة جداً.. فقد ذكر السهيلي في كتابه «التعريف والإعلام بما أُبهِم في القرآن» أن أميّة بن أبي الصلت أول من قال «باسمك اللهم»، وذكر لذلك قصة غريبة، وهو أنهم خرجوا في جماعة من قريش في سفر، وفيهم حرب بن أمية والد أبي سفيان، فمروا في مسيرهم بحيّةٍ فقتلوها، فلما أمسوا جاءتهم امرأة من الجان فعاتبتهم في قتل تلك الحية، ومعها قضيب.. فضربت به الأرض ضربة نفرت الإبل عن آخرها، فذهبت وشردت كل مذهب، وقامت الجماعة في طلب الإبل ولم يزالوا في طلبها حتى ردوها، فلما اجتمعوا جاءتهم المرأة أيضاً فضربت الأرض بقضيبها، فنفرت الإبل فذهبوا في طلبها.
فلما أعياهم ذلك نظروا لأمية وقالوا: هل عندك لما نحن فيه من مخرج؟ فقال: لا والله، ولكن سأنظر في ذلك، فساروا في تلك المحلة لعلهم يجدون أحداً يسألونه عما قد حلَّ بهم من العناء، فإذا نار تلوح على بعد، فجاؤوها.. فإذا شيخ على باب خيمة يوقد ناراً، وإذا هو من الجان في غاية الضآلة والدمامة، فسلموا عليه فسألهم عما هم فيه، فأخبروه خبرهم، فقال له الشيخ: إذا جاءتكم فقل: «بسمك اللهم» فإنها تهرب، فلما اجتمعوا وجاءتهم الثالثة والرابعة، قال في وجهها أمية: بسمك اللهم، فشردت ولم يقر لها قرار، ولكن عَدَت الجنّ على حرب بن أمية -والد أبي سفيان- فقتلوه بتلك الحية، فقبره أصحابه هنالك حيث لا جار ولا دار، ففي ذلك يقول الجنّ:
وقبرُ حربٍ في مكانٍ قفرٍ
وليسَ قربَ قبرِ حربٍ قبرُ
وأمية بن الصلت كان عالماً بالكتب مطلعاً عليها، جاب الديار وتتلمذ على يد القساوسة في كنائسهم والرهبان في ديرهم، وكان يظنّ أنه سيصبح نبياً!
وقد قيل أنهُ كان يتفرّس في بعض الأحيان في لغات الحيوانات -أي أنه كان يفهمها ويعرف ما تعنيه-، المهم أنه كان يمر في السفر على الطير فيقول لأصحابه: إن هذا يقول كذا وكذا، فيقولون: لا نعلم صدق ما تقول.
وقيل أن أمية بينما هو يشرب يوماً إذ نعب غراب.. فقال له أمية: بفمك التراب مرتين! فقيل له: يا أمية ما يقول الغراب؟ فقال: إنه يقول إنك تشرب هذا الكأس الذي في يدك ثم تموت، ثم نعب الغراب فقال أمية: إنه يقول: وآية ذلك أني أنزل على هذه المزبلة فآكل منها، فيعلق عظم في حلقي فأموت.
ثم نزل الغراب على تلك المزبلة فأكل شيئاً، فعلق في حلقه عظم فمات. فقال أمية: أما هذا فقد صدق في نفسه، ولكن سأنظر هل صدق فيّ أم لا؟ ثم شرب الكأس الذي بيده، ثم اتكأ فمات.
ورغم كل ما آتاه الله من علمٍ.. لم يُسلم، حتى أنّ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما سمع رجلاً يقرأ قوله تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا}، فقال لمن معه: هذا أمية بن أبي الصلت!