رمضان جريدي العنزي
ما مللت منه ولا تعبت، ولا صابني بعض الخور، ولا همتي غفت، هو السفر كلما شع الحنين في صدري، يصيبني الشوق إليه، في السفر أبحث عن محارة في القاع تاهت، أمشي في طرقات المدن، أمشي على مهل، وأمر في القرى النائية، أبحث عن ثقافة جديدة، ووجوه جديدة، وحياة مغايرة، روحي معه رقيقة، وتصبح أكثر رقة عند البروق، هو السفر عندي مثل لوحة زاهية، لا سيما عندما أكون عند البحر والنوارس بالأعالي تطير، الليل، والقصيدة، والريح الحنون، ومراكب تغدو وتجيء، ووتر غريب ينشد لحناً شجياً، طوبى للسفر، لشاطئ الرمل، للغيم والسديم، طوبى للنسيم العليل، طوبى لانسكاب الليل في جفون الحيارى، طوبى لضوء القمر فوق شجيرات يانعة، مثل مصباح جميل، طوبى للمراكب العائمة، طوبى للحمام واليمام والطيور العابرة، طوبى للمعاني العالية، طوبى لبلورة القصيدة القابعة في الذاكرة.
هو السفر معه أصبح نورساً في مهبه، أعترف بأنني مفرط في حبه، مفرط في التأمل في وجوه المسافرين، في الصالات المكتظة بهم، مفرط في طائراته إقلاعاً وهبوطاً وفوق أعالي السحاب، ولهي السفر، أحبه حد اللامنتهى، كلما اشتعلت رمال العطش في روحي ألملم حقائبي للوجهة المقررة، أصبح معه كأني حصاناً جموحاً، أو أقحواناً في سنبلة يانعة، يفرحني السفر، مثل طفل بريء، هو السفر معفر عندي بالليمون وبالنعناع، أصبح معه المعري والفرزدق وغازي القصيبي وابن جدلان وجرير، ويصبح صوتي معه مثل هديل الحمام، السفر عندي مثل العطور، في أول الليل عطر، وعند انبثاق النهار عطر، وعند حلول الظهيرة عطر، هو لا يعرف بأني أحبه، لكني أحبه، معه أنادم ظلي، وأكتب شعراً له، وأرسله للحداة، ثلاثة في قلبي: الفراشة الملونة، ووقت السفر، والصديق المعين، الفراشة في خدرها، والسفر حين يحين، والصديق حين يكون لطيفاً ودوداً.
لا شغل لي عندي في السفر سوى التأمل بالغيمة التي تمر، وبالسحاب المطير، وبإنكسار الظهيرة، أرهف سمعي للنوارس، للطيور الكثيفة، لصوت فيروز، أبحر مع السفر في مهب الأماني، وأشطر حلمي معه لنصفين، نصف لي، ونصف للذكريات العتيقة، مع السفر لا أود لرجلي أن تستريح، أو للتأمل أن يستقر، إني أرى في السفر ما لا يرى، واضح أحياناً، وأحياناً مثل مرايا الغموض، ممتع هو السفر، شهقة عاشق، وقصيدة مطوية تحت السرير.