محمد سليمان العنقري
..قطاع العقار يشهد تحولاً جذرياً نحو أن يكون صناعة متقدمة منذ إطلاق رؤية 2030 ورغم أن البدايات كان جلها تنظيمياً بشكل كبير من خلال تفعيل أنظمة وتشريعات كالرهن والتمويل العقاري ونظام رسوم الأراضي البيضاء مع تغيير جذري بآلية عمل الصندوق العقاري وابتكار منتجات تمويلية بالشراكة مع القطاع التمويلي الخاص مدعوماً بحلول لاستمرار تدفق النقد للسوق كتنشيط عمل شركة إعادة التمويل العقاري وغير ذلك من الضمانات والحلول كي تبقى أسعار تكلفة التمويل ضمن حدود جذابة إلى مقبولة حسب وضع أسعار الفائدة الأساس إلا أن تطورات إضافية بدأت تظهر آثارها وهي تصب في جانب زيادة العرض والتنوع بالمنتجات، بل والأهم تأسيس شركات حكومية مثل الوطنية للإسكان وكذلك روشن واللتين تنقلان القطاع لمفهوم جديد بالتطوير الشامل من خلال إنشاء ضواح سكنية ضخمة بالمدن الكبرى متكاملة في الخدمات وأساسيات جودة الحياة وكذلك بالتكلفة والتصاميم وهو ما سيعني تغييراً جذرياً بنمط وأسلوب التطوير العقاري.
وقبل أيام أعلن عن مشاريع سكنية بحجم استثمار يبلغ 65 مليار ريال ضمن فعاليات معرض سيتي سكيب للعقار الأكبر من ناحية حجمه بالعالم على مستوى كافة النسخ التي نظمت بدول عديدة سابقاً، ولكن اللافت هو ما صرّح به معالي وزير الشؤون البلدية والإسكان ماجد الحقيل في مقابلة مع قناة العربية حول الأسعار المستهدفة للمساكن بأن تتراوح ما بين 500 ألف إلى 1.2 مليون ريال حتى تكون مساعدة لأغلب مستفيدي مشاريع وبرامج الإسكان وهو ما يمثّل تحولاً مهماً بالسوق العقارية بما يساهم بتنوع المنتجات وتوازن السوق وتلبية احتياجات طالبي السكن حسب ما يناسب كل أسرة وفي ذات السياق ذكر أيضاً أن ارتفاع أسعار الفائدة يمثِّل تحد كبير للقطاع العقاري وأن الوزارة وفرت باقات مع البنوك السعودية بحيث تضمن من خلال شركة ضمانات المملوكة للصندوق العقاري تخفيف تكلفة المخاطر، موضحاً أن الوزارة تعمل على مشروع تحفيزي مع البنوك من خلال ضخ الودائع لمنح المواطنين تكلفة إقراض منخفضة جداً مقارنة بالسوق، تصل إلى نحو 150 نقطة أساس و200 نقطة أساس، إضافة إلى الدعم التحفيزي الذي تقدمه الدولة لمتملكي المسكن الأول، ويتضح أن هناك معالجات واسعة لتقليل أثر ارتفاع أسعار الفائدة على طالبي الدعم السكني ومن الواضح أنه بعد ارتفاع تكلفة الإقراض نتيجة لتخطي سعر الفائدة الأساس حاجز 5.5 بالمائة من مستويات دون 1 بالمائة قبل نحو عامين فإن الرهون العقارية استمرت بالتراجع شهرياً منذ أكثر من عام وبعد أن كانت تسجل في فترة الفائدة المنخفضة ما يقارب 20 مليار ريال بالمتوسط شهرياً فإنها انخفضت لما دون 6 مليارات شهرياً بالوقت الحاضر.
لكن هنا لا بد من التذكير ببعض من كان يردد في وسائل التواصل الاجتماعي أن ارتفاع سعر الفائدة لا يؤثّر على نشاط العقار وكانوا يعتبرون أن كل من يقول عكس ذلك هو مخطئ ولا يمت لفهم أساسيات السوق بشيء، فبعد هذا التوضيح الرسمي بأن سعر الفائدة تحد كبير للقطاع العقاري وهو أمر طبيعي فالتكلفة لا ترتفع على مشتري العقار بتمويل فقط، بل على المطور والمقاول وكل من له علاقة بنشاط القطاع العقاري وهو ما يمكن أن يتسبب بتراجع نشاط السوق فإن موقف من كان يقول عكس ذلك أصبح محرجاً له ويدعو للتساؤل هل تضرر أحد من اتباع نصيحتهم التي تنافت مع البديهيات في عالم الأسواق سواء العقار أو الصناعة أو الأسواق المالية وجميع الأنشطة الاقتصادية، فيمكن لأي شخص يعمل بالسوق أن يبدي وجهة نظره لكن يفترض أن تكون متوافقة مع الأساسيات المؤثّرة فارتفاع سعر الفائدة يخفض النشاط الاقتصادي بشكل عام لأن الشركات تحرص على تجنب الاقتراض قدر الإمكان وهو ما يعني تراجع بأعمالها خوفاً من أن لا يكون السوق جاذباً للزبائن الذين لن يتجهوا لتحمل تكلفة إقراض عالية وأيضاً تجنباً لارتفاع تكلفة إنشاء المشاريع وكذلك تراجع بصافي الأرباح أو التحول لتحقيق خسائر ويحاولون كذلك التخلص من أي قروض مرتفعة التكلفة بأسرع وقت ممكن.
من المهم أن يبقى زخم القطاع العقاري قوياً وداعماً للنمو الاقتصادي ويزداد حجم نشاطه، ولأجل ذلك فإن الدولة تتدخل عبر وزارة الشؤون البلدية والإسكان والأذرع التمويلية الرسمية مشكورةً لمواجهة تحدي ارتفاع أسعار الفائدة حرصاً على بقاء زخم نشاط السوق لما له من أهمية بدعم نمو الناتج المحلي وتوليد الوظائف وفرص الاستثمار وتخفيفاً على طالبي التمويل السكني من حيث خفض التكلفة حتى يتم تجاوز هذه المرحلة التي يمر بها العالم من ضغوط اقتصادية أدت للتحول لسياسات نقدية متشددة فمن المهم للمطور والمسوق والمستفيد أن يدركوا أهمية حساب تكلفة التمويل حسب احتياجاتهم وأنه لولا الدعم الحكومي لكانت تكلفة الإقراض السكني مرتفعة جداً، فعامل الفائدة محوري وأساسي للأنشطة الاقتصادية دون استثناء والتعامل بواقعية معه مسألة لا تقبل النقاش، بل التكيّف وإذا كانت العاطفة غالبة في تحليل البعض بأن سعر الفائدة ارتفاعه غير مؤثّر على العقار فإن ذلك لن يغيّر من الواقع شيئاً، فالثوابت تبقى كما هي بينما نلاحظ كيف تتعامل الدولة مع هذا الأمر بواقعية وحسابات دقيقة وتدخل مدروس عبر برامج ومبادرات وآليات معلنة ويجري العمل على المزيد منها وهدفها المصلحة العامة والمستفيد كل الأطراف في السوق العقاري.