د. علي بن صالح الخبتي
قد تكون هذه القصة من وحي الخيال لكنها عظيمة في مضمونها وفي هدفها وفي نتيجتها. والقصة تقول إن محاضرًا دخل إلى القاعة التي وجدها ممتلئةً بالحضور وعندما فتح حقيبته لإخراج نسخة من المحاضرة لم يجدها فأخبر الحاضرين بذلك وقال لهم المحاضرة التي أريد أن ألقيها لا توجد في الحقيبة كما توقعت ولهذا أطلب منكم أن تساعدونني جميعاً على أن أقدم لكم في وقت هذه المحاضرة ما تتوقعون مني تقديمه. فتململ الجميع في تعبيرٍ عن عدم الارتياح بما سمعوه معتقدين أنه ضيّع وقتهم في الحضور وسوف يضيع وقتهم ربما في محاضرة لا تصل إلى مستوى توقعاتهم.. عندها وعندما رأى تململهم أخبرهم بأن ما يراه أمامه هو نوع من «التراخي» الذي عادةً ما ينتج عنه الفشل في أي عمل وحذرهم منه قائلاً إن التراخي في أي مهمة يقوم بها أي إنسان تؤدي إلى عدم نجاح ذلك العمل وقال لهم إنه ضربٌ من الفشل المتعمد الذي يمكن التخلص منه بسهولة.. وهو فعل يمكن تجنبه بسهولة.. وتمضي القصة بقيام المحاضر بإخراج ورقة من حقيبته وكتب عليها تعهداً بأن الذي يثبت أنه ساعده في نجاح محاضرته سيمنحه مبلغاً من المال.. وعندها لاحظ أن جميع الحضور عدَّلوا جلساتهم وتأهبوا استعداداً لتقديم المساعدة وإنجاح المحاضرة.. وشرح لهم ما لاحظه أمامه.. وقال لهم انظروا إلى نتيجة ما فعلته، بكم إنه «التحفيز».. والتحفيز من الأمور المهمة جداً في أي عمل.. لا يمكن أن ينجح أي عمل بدون تحفيز.. وتتفق الدراسات في الإدارة أن من أهم الأولويات أن تعمل أي إدارة على تحفيز موظفيها وتدريبهم وإرضائهم وعمل كل ما يريحهم كي يتفرغوا للإنجاز والعمل والإنتاج والإبداع والتطوير.. ومضى المحاضر مستغلاً خبرته الطويلة في رواية القصة قائلاً بأن أحد الحضور قال له إن لديه مشكلة وهي أنه قصير القامة ولا يُرى تفاعله كبقية زملائه كي يفوز بالجائزة التي ستقدم لهم من قبله.. فأجابه المحاضر نعم هذه إحدى المشكلات والصعوبات التي قد يواجهها بعض الموظفين في أعمالهم.. في بعض الأعمال تكون هناك مشكلات تنافسية وهنا يجب التوقف والالتفات يمنة ويسرة أماماً وخلفاً للبحث عن حلول لتلك المشكلات.. وفجأة قام قصير القامه هذا بالوقوف على المنضدة التي أمامه وأصبح أطولهم وأصبح هو الذي يراه المحاضر أكثر من بقية الحضور.. وهنا لفت المحاضر انتباه الجميع إلى الحل الذي توصل إليه قصير القامة.. وقال المحاضر لجميع الحاضرين انظروا إلى زميلكم أصبح الن يُرى أكثر منكم جميعاً والسبب أنه « تفكير خارج الصندوق» حل به مشكلته، وهو حلٌّ ناجحٌ بكل المقاييس حيث أصبحت أراه أكثر منكم لأنه أطول قامة من الجميع بوقوفه فوق المنضدة.. قام الجميع بنفس الفعل واستمروا بوضع أشياء أخرى على مناضدهم في تنافس مستمر كي يتفوق البعض على البعض الآخر.. وهنا أوضح لهم المحاضر أن هذا هو «التحسين المستمر» الذي يضمن البقاء في المنافسة. بعد ذلك اجتمع ثلاثة من الحاضرين واتفقوا على أن يحمل بعضهم بعضاً ليصلوا إلى ارتفاع غير مسبوق ليتقاسموا الجائزة. وعلق المحاضر على هذا التصرف بأنه يمثل» العمل الجماعي» الذي يؤدي في البداية إلى عمل الشراكات الصغيرة ويؤدي إلى تكتلات اقتصادية كبيرة وعملاقة تؤدي إلى نجاح كبير لأي عمل فيه شراكات وتكتلات ناجحة.. وتمضي القصة في القول بأن باقي الحضور قد قاموا بتقليد هذه المجموعة وعملوا فرقاً عديدة متنافسة.. وبدأوا جميعاً في وضع الأكبر في الأسفل والأقل وزناً في الأعلى.. وكان في كل فريق فرد ينسق ارتفاعاتهم ويقترح ممارسات جديدة ويتصرف وفق ما يراه من المجموعات الأخرى بأفكار جديدة.. وكان تعليق المحاضر بأن ذلك يمثل «الإدارة الحقيقية الناجحة» التي تعمل على تقدم العمل وتطويره وتحسينه وتضمن نجاحه بعد توفيق الله.. وفي النهاية قال لهم أنا قلت لكم إن الفائز سيحصل على جائزة.. والحقيقة كلكم فائزون والدرس الأخير في هذه المحاضرة هو: «ليس هناك تعليم بالمجان» وجائزتكم أنكم تعلمتم جميعاً..
وخلاصة القول سواء كانت هذه القصة حقيقة أم غير حقيقة إلا أنها قد تضمنت عوامل النجاح التسعة وهي:
-1 عدم التراخي الناتج عن الملل أو عدم الثقة.
-2 التحفيز.
-3 المنافسة.
-4 الاستمرار عند الفشل وأخذ دروس من مواقف الفشل.
-5 التفكير خارج الصندوق للتطوير وتحقيق الريادة.
-6 التحسين المستمر الذي يضمن البقاء في المنافسة.
-7 العمل الجماعي بروح الفريق الواحد الذي يبدأ بشراكات صغيرة إلى التكتلات العملاقة.
-8 القيادة. (وأعتبرها رقم 1).
-9 لا شيء مجاناً، النجاح يحتاج إلى جهد كل العاملين والصرف عليه.
ويقول علماء الإدارة إن الإخفاق في أحد هذه العوامل يشكل حلقة ضعيفة تؤدي إلى ضعف كل السلسلة وبالتالي الإخفاق. قصة جميلة وتحمل مضامين كبيرة.