منصور ماجد الذيابي
بالرغم مما تم نشره ومناقشته في وسائل الإعلام من القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم والتقنية والبيئة والعمل والإسكان وغير ذلك من القضايا المحلية, إلا أن التفاعل والتجاوب مع تلك المناشدات والتوصيات والمطالبات لم يصل بعد إلى المستوى الذي يحقق الطموحات المأمولة من كلا الجانبين: قطاع الخدمات الحكومية وشريحة المستفيدين من هذه الخدمات.
فمثلاً نجد أن أزمة السكن لازالت قائمة, وارتفاع أسعار العقار «محلك راوح», وغلاء المهور يتصدر قائمة الهموم, وأزمة الازدحام المروري نعاني منها يومياً, ومشكلات التعليم العام كحوادث نقل المعلمات والقبول في الجامعات لا زالت أيضاً مشكلات مستعصية, وموضوع التلوث المناخي والبيئي «حدّث ولا حرج», وعشوائية البناء وأعمال الحفر والهدم والمخلفات تتكرر بانتظام, إضافة إلى مشكلات أخرى تتعلق بتصريف السيول في موسم الأمطار, وتفشي الفيروسات من حين لآخر نتيجة لضعف التوعية والخدمات الصحية الأولية أو ضعف أداء الأجهزة الرقابية الصحية, أو لعدم تطبيق بعض المواطنين والمقيمين لتحذيرات وتوصيات وزارة الصحة.
كما وأن من يذهب بسيارته إلى منطقة الفحص الدّوري للسيارات على طريق الدمام, سوف يجد هناك فوضى عارمة لجميع أنواع المركبات لا سيّما الشاحنات الكبيرة ما يؤدي إلى توقف الحركة المرورية أحياناً نتيجة لتكدّس أعداد من الشاحنات في محيط مجمّع الصناعية وأمام ورش صيانة السيارات, فضلاً عن تواجد أعداد كثيرة من المقيمين اليمنيين والأفارقة وسط الطريق في محاولة منهم لإيقافك والتجمهر أمامك لفحص سيارتك والتحدّث إليك بكل وسائل التوسّل والإقناع والاستعطاف.
وفي الطرقات الداخلية الضّيقة للمجمّع الصناعي ستجد من يعترضك ممن تعلو أصواتهم على أصوات مكبّرات الصوت وهم يهتفون بشعار «فحص, فحص, فحص», رافعين أيديهم أمامك في إشارة لمطالبتك بالتوقف شبه الإجباري, وكأّنّما أنت وقعت في كمين نصبه لك ثلّة من قطّاع الطرق .. يحدّثونك من كل جانب مطالبين بنزولك وفحص سيارتك وإصلاح أي خلل محتمل فيها حتى لو لم يكن فيها أي خلل فنّي.
وأيضاً لا زالت مظاهر التفاخر بالإسراف وهدر الأطعمة في المهرجانات والمناسبات الاجتماعية تتصدر حديث المجالس بالرغم من نهي الإسلام عنها وبالرغم من نداءات ترشيد الإنفاق والاستهلاك. كما ونسمع دائماً عن سوق سوداء للمتسللين عبر الحدود ومخالفي نظام الإقامة والعمل وتلاعب مكاتب الاستقدام بالأسعار, وقضايا أخرى كثيرة لا يمكن حصرها في مقال واحد.
المهم إن ما أود تسليط الضوء عليه في هذا المقال هو أن قضايا كثيرة في بلادنا لم يتم حلها بشكل نهائي, غير أنني لا أحمّل كامل المسؤولية للجهات الحكومية المعنية فحسب, وإنما المجتمع كذلك يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية. فهو مطالب باتّباع التعليمات والتوصيات والتحذيرات والإرشادات وتطبيق الأنظمة والقوانين واحترام الذوق العام في الأماكن العامة. فعندما تشاهد مثلاً – دونما أي اعتبار للآخرين – قائد مركبة يسير أمامك على الطريق وفجأة تلاحظ تطاير أوراق المناديل وقوارير المياه والمشروبات الغازية وغيرها من نوافذ السيارة, فلا أعتقد أن سلوكاً كهذا ناتج عن نقص التوعية بأهمية المحافظة على البيئة وتجنّب تشويه معالم الطرق والمرافق العامة.
وفي الجانب الآخر من المرآة, نشاهد الخلل الناتج عن الإهمال أو التهاون والتقصير في أعمال بعض المؤسسات والجهات الحكومية الخدمية بسبب عدم تفعيل بنود الرقابة والمتابعة والسلامة في عقود التشغيل والصيانة والنظافة والإنشاءات مع القطاع الخاص. ومن الأمثلة على ذلك تدني مستوى معالجة مشاكل تصريف السيول والنظافة في الأحياء, وتجمّع المياه, وتراكم النفايات ومخلفات البناء لمشاريع القطاع الخاص, والزفلتة والإنارة والترصيف والتشجير, ومحدودية عمليات رش المبيدات للقضاء على القوارض والحشرات وما إلى ذلك من المسائل المتعلقة بمتلازمة نظافة البيئة وصحة الإنسان, إذ لا تتحقق صحة جيدة دون أن تتوفر بيئة نظيفة.
ومن وجهة نظري الشخصية فإن دفع عجلة التنمية المستدامة للوصول إلى مستوى متقدم يعكس مدى التطور ويحقق تطلعات ولاة الأمر حفظهم الله في مكافحة كل صور الخلل والتهاون والفساد والإهمال والتقصير لأجل تقديم أفضل الخدمات للمواطنين بما يتواكب مع رؤية المملكة 2030 لتحقيق التوازن والرفاه الاقتصادي للأجيال القادمة, إنما يتطلب تعاون المواطن مع حكومة بلاده في كل الظروف والأحوال. ولهذا أرى أن تحقيق هذه الأهداف وتلبية الطموحات والتطلعات سيكون ممكناً في إطار وضع خطة وطنية تتضمن تشكيل هيئة تنظيمية جديدة تكون رافداً مهمّاً للوزارات الحكومية المعنية بالخدمات العامة بحيث تتولى مهام الرصد والرقابة الميدانية الشاملة لأعمال ومشاريع الجهات الحكومية ثم عرض تقريرها وتوصياتها خلال فترات زمنية منتظمة أمام السلطة التنفيذية للاطلاع واتخاذ القرارات المناسبة, ومن ثم توجيه الوزارات المعنية بالاطلاع على مضمون توصيات «هيئة الخدمات الوطنية المساندة» واتخاذ التدابير اللازمة حيال ما ورد فيها من احتياجات ملحّة أو مخالفات تم رصدها..
وبإنشاء هيئة وطنية كهذه, فسوف يتم التعامل مع مستجدات الأحداث في قلب الحدث وفي نفس الوقت, ويتيح للأيادي السعودية فرصة جديدة للعمل والمساهمة في نهضة وطنهم. وحينما تتولى هذه الهيئة مهام الرقابة والرصد والمتابعة الميدانية للمشاريع الإنشائية والمرافق القائمة, وترصد في ذات الوقت سلوكيات أفراد المجتمع في الشارع, وتتلمّس احتياجاتهم ومطالبهم, فإن مخرجات قرارات السلطة التنفيذية ستكون أكثر إيجابية وفاعلية, ذلك أن القرار التنفيذي سيكون مرتكزاً على توصيات الخبراء في البيئة والصحة والتعليم والمجالات الخدمية الأخرى التي تهم المجتمع وترسم صورة جميلة عن بلادنا الغالية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.