د.شريف بن محمد الأتربي
التعليم وما أدراك ما التعليم، الشغل الشاغل والهم الدائم لكل الدول والشعوب، الكل في وطننا يبحث عن تعليم متميز يدعم الدولة في مشاريعها التنموية بكفاءات شابة تحمل راية القيادة للوطن لعقود وعقود قادمة، كفاءات تعمل على تحقيق رؤية القيادة والمواطن في غدٍ مختلف، غدٍ يبرز مقومات الدولة ويضعها في مكانتها المرموقة التي تستحقها جملة وتفصيلاً.
معالي الوزير، أعلم كل العلم مدى العبء الذي يقع على كاهلك، والضغوط الكثيرة التي تتعرضون لها أنتم شخصياً، وكل العاملين في مجال التعليم، فالمطلوب كثير، والوقت قصير ولا يحتمل أي تقصير، لذا فالعمل ثم العمل من أجل إحداث الفارق هو همك وشاغلك، ونحن معك نشاركك هذه الهموم والمسؤوليات، ووجبنا أن ندعم الإيجابيات ونبرزها، ونحدد السلبيات ونتعاون في إيجاد حلول لها.
معالي الوزير، سأكتفي في هذا المقال بالإشارة إلى مشكلة أزلية ليست عربية ولا محلية، ولكنها عالمية، مشكلة تعاني منها كل الأنظمة والمؤسسات التعليمية منذ بدأ التعليم المنظم أو ما يطلق عليه التعليم النظامي، والذي تشرف عليه الدولة وتنظمه، سواء كان أهلياً أو أجنبياً، فهو تحت مظلة وزارة التعليم، سواء كان ذاك اسمها أو أقرنت بالتربية من قبلها، هذه المشكلة هي غياب الطلبة عن الحضور أو التأخر والهروب.
في البداية أود معاليكم أن أناقش هذه المشكلة بصوت عالٍ يسمعه جميع العاملين في ميدان التعليم، ويشنف أذان أولياء الأمور والمعلمين، أود أن أطرح سؤالاً هاماً، سؤالاً هو الفيصل في القضية، ربما إجابته ليست هي كل الصح، ولكنها ربما تكون هي الأصح، سؤالي هو: لماذا يفرح الطلبة بتعليق الدراسة أكثر من فرحهم ببدء الدراسة؟ أعتقد أن سؤالي مربكٌ بعض الشيء، ولكنه يحتوي على عدة أسئلة خفية، لعل منها لماذا الهروب من المدرسة؟ ولماذا التأخر عن المدرسة؟ ولماذا الهروب عن الحصص؟ ولماذا الفخر بكل هذا من قبل الطلبة؟
استبحت لنفسي الإجابة عن بعض هذه التساؤلات، ولكن إجاباتي كانت أيضاً استفسارات ربما كان الرد عليها فاتحاً لباب الإجابة على التساؤلات السابقة. ولعل أبرز هذه الاستفسارات هي: هل وفرنا بيئة مدرسية جاذبة للطلبة؟ هل هيأنا البيئة الصفية لتكون مكاناً للاستمتاع بالعملية التعليمية؟ هل وفرنا المصادر المعرفية والوسائل التقنية المساعدة على الوصول إلى المعرفة؟ والسؤال الأهم: هل أعددنا معلمينا ليكونوا شركاء لطلابهم في رحلة تعلمهم أم جعلناهم من ضمن العوائق العديدة التي تقف أمام تعلمهم؟
معالي الوزير، قرأت وقرأ الكثيرون غيري القرارات التي صدرت قبل بدء العام الدراسي والتي تتناول موضوع الغياب، وعاينت كافة الإجراءات التي سيتم اتخاذها قبل هؤلاء الطلبة المتغيبين عن مقاعد الدراسة، وبعد تفكير وجدت أنه يمكن إيجاد حلول دون الترهيب بالدرجات، والتلويح بالعقوبات، ولعلي معاليك في هذه العجالة أعرض بعض هذه الحلول التي ربما تحد من هذه الظاهرة.
معالي الوزير، طلابنا على مختلف مستوياتهم العلمية، يحتاجون إلى سماع صوتهم، ومعرفة آرائهم سواء في دوامهم أو دراساتهم بكل ما تشمله الكلمة من مفهوم واسع، واقترح أن يكون هناك منبرٌ يضم كل فئات هؤلاء الطلبة ويكون تواصلهم معكم مباشرة، أما عن الغياب وحلول مشكلاته، فأجد أننا كنا أمام فرصة ذهبية بعد العودة من كوفيد19، حيث كان أمامنا عدة اختيارات لموضوع الدوامات، ويمكن تقسيمها إلى خمسة أصناف هي:
1.الدوام المنتظم، والمقصود به الحضور إلى المدرسة في مواعيد محددة، وحصص مقيدة، وهو الدوام السائد حالياً، ويمكن إدخال بعض التعديلات والتحسينات عليه لتقليل كثافة الطلبة داخل الفصول مثل تقسيم الطلبة إلى قسمين قسم يدرس نهاري من الساعة 7 - 12 ظهراً، وقسم أخر يدرس من 1 - 6 مساءً، ويكون التركيز على المعلومات الأساسية، وإكساب المهارات النوعية.
2.الدوام المرن، وهو دوام أقرب للدوام الجامعي، وكان أحد ركائز نظام التعليم السابق، وهو نظام المقررات، حيث يمكن للطالب الحضور إلى مدرسته وقت الحصص التي سجلها هو بنفسه، بحيث يمكن لهذا الطالب أن يعمل أيضاً خلال الدراسة ويساعد أفراد أسرته، لاسيما لو جعلنا الدوام المرن ممتداً حتى المساء، وزدنا عدد المعلمين والمعلمات، فقللنا من عدد العاطلين والعاطلات، وساهمنا في زيادة التوطين والسعودة للوظائف التي لا تحتاج مهارات ولا خبرات.
3.الدوام عن بعد، وهو الدوام الذي كان متبعاً خلال كوفيد19، ورغم ما أثير من حوله، وأنه كان واحداً من أسباب الفجوات التعليمية، إلا أنه يظل خياراً هاماً من خيارات الطلبة في التعلم، ويمكن أن يكون خياراً للتعلم الشخصي عن بعد كاملاً بعد تجهيز المواد والمقررات، وتفعيل المنصات التعليمية بما يتلاءم مع هذا النوع من التعليم، خاصة للطلبة الراغبين في دراسة المواد النظرية، وهناك عدة طرق لضبط مثل هذا النمط من التعليم ليس هنا محل سردها أو استعراضها. كما يمكن أيضاً أن يكون هذا النمط من التعليم خليطاً، فيمكن للطلبة حضور الحصص عبر الوسائل التقنية، واستكمال العملية التعليمية بأنفسهم من خلال المنصات أيضاً إلى جانب الحضور لمقاعد الدراسة ولو ليوم واحد أسبوعياً، وخلال الاختبارات النهائية.
4.الدوام الخارجي، لعل من الأفكار المطروحة والتي يمكن أن تكون مفيدة على مستوى طلبة المرحلة الابتدائية والمتوسطة، ونافعة لطلبة المرحلة الثانوية خاصة في نظام المسارات، وهي الدوام الخارجي، حيث يمكن للوزارة التعاون مع القطاع الخاص بتهيئة أماكن لاستضافة الطلبة في الملاهي مثلاً، أو حديقة الحيوان، وحتى ملاعب كرة القدم، بحيث يدرس هؤلاء الطلبة في بيئة مفتوحة وجاذبة ومعززة لهم، كما يمكن أيضاً أن تستضيف بعض الجهات ذات العلاقة بالمسارات الطلبة بالمرحلة الثانوية مثل المصانع والشركات والهيئات العامة والحكومية، وبحيث تخصص لهم قاعات للدراسة تساعدهم على المعايشة اللحظية لما سوف يمتهنونه مستقبلاً.
5.المدارس الداخلية، وهي عبارة عن مجمعات تعليمية وتدريبية وسكنية على مساحات واسعة، يقيم فيها الطلبة خلال الأسبوع الدراسي، وبحيث يتم تدريبهم وتأهيلهم على الاعتماد على أنفسهم، ويمارسون خلال وجودهم في هذه المدارس الأنشطة الرياضية المختلفة، والرحلات الاستكشافية.
معالي الوزير، أعلم كل العلم ضيق وقتك، ولكني أعلم أيضاً سعة أفقك وتقبلك لكافة الآراء، رغبة منك في إحداث الفارق في التعليم ليكون رافده قادة قادرين على حمل راية الوطن لعقود وعقود قادمة بإذن الله، لذا أستسمحك أن توجه بإنشاء منصة الأفكار التعليمية والتي ستساعد المتخصصين من التعليميين وغيرهم من الراغبين في حل مشاكل التعليم على إيصال أصواتهم ومقترحاتهم لمعاليك لعلها تحدث الفارق الذي تنشده.
معالي الوزير، شكراً لكم على إتاحة هذه المساحة لي لعرض بعض الأفكار التي يمكن أن تكون نواة لقرارات مستقبلية تساعدنا على المضي قدما لتحقيق رؤيتنا 2030.
**
- مستشار تعليم إلكتروني وتدريب