عطية محمد عطية عقيلان
اشتهر عن الثعلب بأنه حيوان مكار مخادع، وضرب به المثل للشخص المخادع والمراوغ، وتعتبر صفة ذميمة عند إطلاقها على شخص، عكس لقب الذيب أو الأسد، وبعيداً عن صحة ذلك أو المبالغة فيه، تبقى طريقة صيده وهو وحيد بعد دراسة كيفية القضاء والتغلب على فريسته، والتي يستخدم فيها المكر والخداع، مع التظاهر بالضعف، درساً لنا مهماً بعدم الانخداع بالمظاهر ونقل عنه الكثير من القصص، وإن كانت أقرب للمبالغة في كيفية التغرير بفريسته ليجهز عليها، وقد ساعد الثعلب هيئته المسالمة وصغر حجمه في خداع الحيوانات الأخرى، لذا عندما يطلق على الإنسان صفة الثعلب المراوغ، ينطبق عليه المثل «حلو لسان، قليل إحسان»، أي أن كلامه وحضوره وطريقة أدبه وتواضعه وطيبته الظاهرية صفات جميلة، ولكن عند الواقع يتحول إلى ثعلب مفترس، يناقض ما يكون يقوله ويدعيه من طيبة وورع، ولكنه أجاد دور المراوغة والخداع كصاحبنا الثعلب، وهناك مقولة لمؤسس التحليل النفسي سيجموند فرويد «كلما بدا لك الشخص مثالياً أكثر من الخارج، كان يمتلك شياطين أكثر من الداخل»، وفي رأي أن هذه المقولة تعود لأن الشخص مدعي الورع يكسب ثقة الناس ويؤمنونه على أموالهم وتجارتهم وأنفسهم، ويصبح تحت الاختبار العملي الحقيقي إذا كان هذا الورع مجرد شكلي أم حقيقي ونابع عن إيمان بما يظهر على هيئته، وللشاعر العباسي صالح عبدالقدوس الأزدي، وهو شاعر حكيم كان يعظ الناس في البصرة، وله قصيدة اشتهر منها بيت واحد فقط، رغم جمال أبياتها بما تحمله من جمال وحكمة وآداب، وشهرة هذا البيت لأنه يصف الشخص المراوغ، بأنه مثل الثعلب، وهذه أبيات ومنها البيت الشهير:
لا خيرَ في ودِّ امرئ مُتملِّقٍ
حُلوِ اللسانِ وقلبهُ يتلهَّبُ
يلقاكَ يحلفُ أنه بكَ واثقٌ
وإذا توارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ
فمهما كان ما نحمله من صفات ظاهرية حسنة تبقى أفعالنا هي المحك الحقيقي لما نؤمن به خاصة في الحقوق المالية، لاسيما في الميراث والمساعدة مع الأقارب والأرحام، فطوبى لمن كان باطنه أفضل من ظاهره، ولا ينطبق عليه مثل «حلو لسان، قليل إحسان»، مع تطبيق وصية الخليفة عمر بن الخطاب -رحمه الله - «عاملوا الناس بما يظهرونه لكم، والله يتولى ما في صدورهم».
خاتمة: من السهل خداع الناس وقد ننجو في الحياة الدنيا ولكن حتماً لن نسلم في الآخرة، ونختم ببعض الأبيات من نفس قصيدة الشاعر العباسي صالح عبدالقدوس، وكل بيت يحمل حكمة وخارطة طريق لمن أراد مكارم الأخلاق والنجاة من سوء الأقوال والأفعال:
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
واعلمْ بأنَّ دعاءَهُ لا يُحجَبُ