سهوب بغدادي
أعتقد أننا وصلنا إلى المرحلة التي أصبحت فيها كلمة فلتر تشير إلى السناب والتعديلات التي يحدثها على الوجه، وليس فلتر الماء أو الهواء، إذ ارتبط مفهوم الفلتر بالجمال، بل الهوس، أستذكر لكم في هذا السياق أحد المواقف الغريبة التي حدثت خلال العيد الماضي، كنت برفقة إحدى القريبات التي نفد شحن هاتفها النقال، فطلبت مني أن نلتقط صورة بهاتفي، فرحبت بالفكرة على الرغم من عدم اهتمامي كثيرًا بالتصوير، قمت بأخذ الصورة في لحظتها، وعندما رأتها ثار غضبها عليّ، قائلة «إيش تصوير الأمهات هذا؟ ما تعرفين تحطي فلتر من غير ما أقول؟» فقلت «عادي، هو لازم نحط فلتر»؟ عندها علمت أنني متأخرة جدًّا في العالم الرقمي، وقد يكون تأخر اختياريًّا، نظرًا لعدم اقتناعي بمفهوم الفلتر بدايةً والأهم من ذلك أننا لا نخدع سوى أنفسنا بهذه التغييرات، فابنة الجيران تعرف أنفي حق المعرفة، وصديقتي تعرف لوني، وهكذا، فلن يقتنع بالصورة المفلترة سوى من لايعرفني على أرض الواقع، وبما أنه عيد وسمننا في دقيقنا، وأنت أمام ناظري وأنا أمامك ما الفائدة من تغيير الوقائع؟ بل الأهم من ذلك كله أن الفلتر «يوجع» في حال كان صاحب الوجه الملائكي شيطانًا على أرض الواقع، من سوء ألفاظ وأخلاق -عافانا الله وإياكم- فمتى أصبح الظاهر أبدى من الباطن والجوهر؟ من ناحية متصلة، كيف يتصالح الشخص المفلتر مع حقيقة أنه سيخرج بوجهه غير المفلتر بعد دقيقتين للعالم الخارجي، فسيراني من يعرفني ومن لا يعرفني، ليجد الفروقات الخمسة أو العشرة بكل سهولة, لم أجد تفسيرًا لكل هذه التساؤلات، وباعتقادي أنني لن أجد إجابة مقنعة.
إن الفلتر ليس مجرد لعب بالإضاءة والزوايا كما يفعل محترفو التصوير، بل هو تشويه لما هو مثالي في الأساس وجعله غير مثالي مع محاولة جعله مثاليًّا، فهفواتك وتفاصيلك المحصورة بك مثالية حقًّا وحباك الله بها أنت فقط، فكيف تكون مثاليًّا عندما تشبه المئات؟ كن أنت.