د. محمد بن أحمد غروي
اتجهت أنظار العالم الأسبوع الفائت إلى الهند بعد أن صعدت مركبتها على سطح القمر، فيما تتجه حاليا إلى إرسال مركبة فضائية لدراسة الشمس، وما زالت الأنظار متوقدة صوب نيودلهي من خلال استضافتها لقمة العشرين، وسط ومشاركة زعماء الشرق والغرب وما سيتمخض عنها من قرارات دولية تصب في مصلحة البشرية.
الهند وما أدراك ما الهند، التي تنبأ لها الاقتصاديون أنها ستكون بحلول عام 2050 قطباً حقيقياً في الساحة الاقتصادية الدولية، متقدمة على اليابان والبرازيل وروسيا، ومن المتوقع أن تتخطى ألمانيا في الناتج الإجمالي المحلي عام 2025، واليابان عام 2027 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة والصين، فضلا عن طموحها بأن تصبح دولة متطورة بحلول عام 2047 تزامناً مع مرور 100 عام على استقلالها عن التاج البريطاني.
للمعلومية فقد تخطت الهند رسمياً عدد سكان الصين وذلك للمرة الأولى منذ إجراء أول إحصاء أممي في خمسينيات القرن الماضي، حيث وصل عدد سكانها إلى 1.428 مليار نسمة، لتطرح خلافتها السكانية للصين افتراضاً بأن تخلفها على المستويين الاقتصادي والصناعي، كما أن القوة البشرية الهائلة المتمثلة في عدد السكان ربما يعمل كدفعة وحافز لها بأن تسير على خطى الصين، والتحول من دولة منخفضة الدخل إلى واحدة من الدول متوسطة الدخل.
بما لا يدع مجالًا للشك فقد أضحت الهند لاعبا أساسيا في الساحة الدولية، حيث نظمت في العام الحالي قمة «صوت الجنوب العالمي» الافتتاحية، التي استقطبت 125 دولة رقميا، وسلطت الضوء على الحاجة إلى إصلاح الهيئات الدولية من أجل تمثيل أكثر توازناً لتبرز نفسها كممثل للدول النامية وأكثر فاعلية عالميا. كما وسعت الهند من قوتها الصلبة والناعمة لتشرق طريقها نحو استقلالها الاستراتيجي وتبني مصالحها الوطنية ورسم سياساتها الخارجية دون تقييد من أي قوى خارجية
رغم اختلاف وجهات النظر بين الهند وبين الدول العربية والخليجية بسبب العلاقات مع باكستان، إلا أن نيودلهي سعت حثيثا لعلاقات جيدة مع العواصم الشرق أوسطية، خاصة الخليجية منها، وبدأت في تطوير علاقاتها بالعرب مع الألفية الجديدة، فقبل عقدين تقريبا بدأ الاتصال الأول مع جامعة الدول العربية، وكانت هذه الخطوة الأولى في اتخاذ العلاقات بين الجانبين مساراً مختلفاً عن السابق، ناهيك عن وجود 9 ملايين عامل هندي موزعين بين الدول الخليجية والعربية، يمثلون 30 في المائة من الهنود بالخارج. ويعمل بالمملكة وحدها نحو 2.5 هندي بلغت تحويلاتهم الخارجية نحو 13 مليار دولار في عام 2021 فقط، علاوة على ذلك، شهية نيودلهي المنفتحة على الطاقة والطلب المتزايد على النفط والغاز من دول الخليج العربي وغيرها حيث تستورد من المملكة نحو 18 في المائة من نفطها ومع طلبها المتزايد الأكبر عالميا فمن المتوقع أن يصل حجم الطلب الهندي على الطاقة إلى 7 ملايين برميل نفط يوميا و115 مليار مكعب من الغاز الطبيعي سنويا بحلول عام 2030.
المتابع لساسية مودي وحكومته يرى أن بوصلته اتجهت صوب الخليج وغرب آسيا بخطوات أوسع، إذ أجرى زيارات رسمية إلى السعودية والإمارات والبحرين وعمان منذ توليه زمام القيادة إذ تعد دول الخليج العربي أكبر شريك تجاري للهند وتعد السعودية والإمارات من أكبر خمسة مستوردين منها، ولربما أن الخليج نقطة تحول لصعودها كقوة رائدة عالميا.