فضل بن سعد البوعينين
أولت المملكة قطاع التراث والثقافة اهتماماً بالغاً، وعملت، منذ إطلاق رؤية 2030، على تطوير برامجه الحاضنة والقادرة على إيصال رسالة الإسلام والسلام وثقافة المملكة وموروثها الأصيل، للعالم، وإبراز التراث الثقافي وتاريخ الحضارات المختلفة التي تحتضنها أراضيها الشاسعة.
ووفق رؤية المملكة 2030، يحتل التراث الثقافي جانبًا مهمًا من مكوناتها الشاملة، ومحورًا من محاور الجذب السياحي، ومحتوى ثريًا لخلق الوجهات السياحية التراثية النوعية، المحققة للتنوع الاقتصادي.
نجحت المملكة في تحقيق نتائج مهمة في الكشف والحفاظ على تراثها الثقافي، وخلق الوجهات التراثية السياحية، والكشف عن المواقع الأثرية وتوثيقها في السجل الوطني للآثار، أو المنظمات الدولية ومنها «اليونيسكو»، و تأهيل وتنظيم تلك المواقع ووضعها على خريطة السياحة الداخلية والعالمية، وتطبيق المعايير العالمية لإدارة المواقع التراثية، والربط الوثيق بين برامج التنمية وصناعة المستقبل، والتراث الثقافي الأصيل.
للتراث الثقافي أهمية اقتصادية في الجذب السياحي، وتنشيط الحركة الاقتصادية ومد جسور التواصل مع العالم الخارجي، إضافة إلى انعكاساته التنموية على المناطق الحاضنة لتلك المواقع المهمة.
تستأثر المواقع التراثية العالمية بعشرات الملايين من الزائرين سنويًا، ما يشكل موردًا ماليًا مهمًا للمدن والدول الحاضنة لها، إضافة إلى إنعاش بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى ومنها قطاع الضيافة، والأنشطة التجارية، والسياحية، وتحفيز المنشآت الصغيرة بأنواعها، المتخصصة في الحرف والخدمات السياحية على وجه الخصوص.
وتعتبر «العلا» من أهم الوجهات العالمية المسجلة في اليونيسكو، لما تمتلكه من كنوز تراثية مرتبطة بحضارات وثقافات متنوعة، ومواقع ثقافية قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
إنجازات الحكومة المُحققة في محافظة العلا، وإرثها الحضاري وكنوزها الأثرية في حاجة إلى إيصالها للعالم أجمع، وبما يعزز مكانتها كوجهة سياحية تراثية عالمية قادرة على استقطاب السواح والمهتمين من جميع دول العالم.
«قمة العلا العالمية للآثار» من المبادرات المهمة التي يمكن أن تتحول إلى جسر للتواصل الحضاري العالمي. حضور أكثر من 300 خبير ومهتم بمجال قطاع الآثار والتراث الثقافي، والمعنيين بالقطاع من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام، سيسهم في تسليط الأضواء على العلا، وما تحتضنه من كنوز، ونقل الصور الحيَّة والآراء العلمية للعالم.
الأكيد أن هدف القمة الرئيس هو «توظيف الرؤى المكتسبة من التراث الثقافي والتقدم العلمي لما يحقق النفع على الإنسانية، ويسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030»، إلا أن مكتسباتها الإعلامية والثقافية والترويجية، لا تقل أهمية، بل ربما كانت من الأهداف الرئيسة غير المعلنة. فالقمم والمؤتمرات العلمية والثقافية من أهم أدوات تسويق الوجهات التراثية، وتعزيز عوامل الجذب التاريخي والجغرافي والتراثي، ووضعها ضمن خارطة أهم المواقع التاريخية العالمية.
تعتبر القمم والمؤتمرات، متى أُحسن التعامل معها وتنفيذها باحترافية، من أهم أدوات الدبلوماسية الناعمة، وأحسب أن «قمة العلا العالمية للآثار» أحد أهم الفرص المتاحة للاستثمار الثقافي، والإعلامي، وتحقيق المنفعة الترويجية للمملكة والعلا والوجهات التراثية الأخرى. مشاركة المتحدثين والمشاركين في رحلات استكشافية إلى المواقع التراثية الرئيسية في العلا، فرصة مواتية لتسويق تلك المواقع المهمة من خلالهم.
زيارة الخبراء والوفود تحتاج دائمًا إلى إستراتيجية توجيهية تسهم في ضمان اكتسابهم المعرفة الإيجابية للخروج بوجهات نظر داعمة للمملكة، وتراثها الثقافي والإنساني. ومن أهم أدوات تلك الإستراتيجية انتقاء المرافقين المحترفين لأولئك الخبراء، لضمان تمرير الرسائل الصحيحة بدبلوماسية، وحجب كل ما من شأنه إحداث التأثير السلبي عليهم، أو تصحيح معلوماتهم المغلوطة ووجهات نظرهم المسبقة. دبلوماسية القمم والمؤتمرات تحتاج إلى عمق الرؤية واحترافية التعامل والقدرة على التأثير والتوجيه المستتر، وهو أمر مرتبط بالكفاءة الدبلوماسية والثراء المعرفي، والتجهيز المنهجي المحترف، الذي بات من أهم أدوات الدبلوماسية السعودية الناعمة.