د.عبدالله بن موسى الطاير
نحن نغذ الخطى باتجاه الاغتيال؛ هكذا قال تكر كارلسون في معرض تعليقه على سؤال: هل سيسمح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن يعود للرئاسة عام 2024م؟ جميع الوسائل التي استخدمت لإقصاء ترامب لم تجد نفعا؛ حوكم وهو في الرئاسة، ثم هو الآن يحاكم على 91 تهمة، وفي كل مرة تزداد شعبيته، ولذلك فإن آخر الحلول هو التصفية الجسدية من وجهة نظر المذيع اليميني الأشهر في الولايات المتحدة الأمريكية.
قبل الخوض في مفهوم الاغتيال السياسي، نتوقف عند شعبية الرئيس السابق، فاليمين يرون أنه يزداد شعبية بعد كل تهمة توجه له، إلا أن هذا الزعم ليس صحيحا على إطلاقه، فشعبيته الجامحة هي بين الجمهوريين في الولايات المتحدة، ما يعني أن علينا التوقف وعدم الاستهانة بالجبهة المعارضة لعودته للحكم من ديموقراطيين ومستقلين. وكما هو معلوم بالضرورة فإن معظم الانتخابات الرئاسية الأمريكية تحسمها أصوات الناخبين المستقلين.
وبعيدا عن الاستقطاب المتبادل بين منصات الجمهوريين والديموقراطيين فإن آخر الإحصائيات التي أجريت في منتصف شهر أغسطس أبانت أن 49% من البالغين الأمريكيين يرون إن على الرئيس الأمريكي السابق تعليق حملته الانتخابية، مقابل ثلث الأمريكيين المؤيدين لعدم تعليقها، الفئة الصامتة بين المؤيدين والمعارضين نسبة لا يستهان بها وهي التي تحسم في النهاية. لكن أخطر ما يواجه ترامب يتمثل في أن 20% من الجمهوريين يرون أن ترامب يجب أن يعلق حملته، وامتناعهم عن التصويت له يعني أن حظوظه في العودة إلى البيت الأبيض ضعيفة. ولذلك فإن الشعبية التي يتحدث عنها الجمهوريون وإعلامهم ليست حقيقة مسلمة، ولكنهم يستخدمون التهم والمحاكمات على أنها سياسية لاستدرار مشاعر الأمريكيين، وقد ذهب تكركارلسون الآن إلى أبعد من ذلك عندما توقع اغتيال ترامب لمنعه من العودة للرئاسة.
الاغتيال السياسي ليس غريبا على أمريكا، ففي القرن الماضي اغتيل مارتن لوثر كينغ، والرئيس كنيدي، وجرت محاولة اغتيال للرئيس ريجان، وهي ظاهرة متكررة ومثيرة للجدل عبر تاريخ البشرية. وعلى الرغم من أنه قد ينظر للاغتيال السياسي من قبل القائمين عليه على أنه وسيلة لإحداث تغيير كبير، إلا أنه أيضًا ممارسة مثيرة للقلق العميق وغير أخلاقية وتثير أسئلة قانونية معقدة.
وفي العموم، فإن الاغتيال السياسي له جذور ضاربة في عمق التاريخ، وهو أداة يستخدمها الأفراد أو الجماعات التي تسعى إلى تعطيل النظام القائم أو تغييره، ولقد تركت تلك الممارسة ندوبا لا تمحى في جسد التاريخ، وشكلت مسار الأمم، بل وأذنت بحروب عالمية؛ تشمل بعض الأمثلة الخالدة اغتيال يوليوس قيصر عام 44 قبل الميلاد الذي أسفر عن نهاية الجمهورية الرومانية، واغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند عام 1914، الذي أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى، واغتيال المهاتما غاندي عام 1948م، وبينما لم تكشف سجلات التاريخ عن النتائج التي تحققت من اغتيال الرئيس كندي، فإن اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1995م قد أدى إلى إيقاف عجلة السلام في الشرق الأوسط.
إن دوافع الاغتيالات السياسية متنوعة ومعقدة، وغالبًا ما تتضمن الرغبة في السلطة، أوالإيمان بعدالة القضية، أو إزالة التهديدات المتصورة، ويدفع الديموقراطيون في أمريكا أن عودة الرئيس ترامب إلى السلطة يمثل تهديدا للنظام السياسي الأمريكي برمته، ومع ذلك فباستثناء تصريحات المذيع تكر كارلسون ليس هناك أي تهديدات معلنة لحياة الرئيس ترامب.
غالبًا ما يبرر القتلة أفعالهم على أنها وسائل ضرورية لتحقيق مقاصد أسمى، مثل إنهاء الاستبداد أو تقديم أيديولوجية معينة، ومع ذلك، فإن هذه الدوافع محل خلاف، كما أن أخلاقيات الاغتيال السياسي بعيدة كل البعد عن الوضوح والتبرير الخيري.
التصفية الجسدية للسياسيين تستبيح قدسية الحياة البشرية بغض النظر عن الأسباب والدوافع، فمعظم الأطر الأخلاقية تعطي الأولوية للحفاظ على الحياة، يتساوى في ذلك الإنسان العادي أو السياسي. كما أن القتل لأي سبب كان هو انتهاك لسيادة القانون، وله عواقب غير محسوبة، وتداعيات لا يمكن التنبؤ بها على مستقبل المجتمعات والأوطان، وفي ظني أن اغتيال الرئيس ترامب أو حتى المحاولة ستكون بوابة الجحيم لدخول أمريكا لحرب أهلية.
ربما يكون هاجس المؤامرة التي تسيطر على عقلية اليمين المحافظ هو المبرر لتصريحات المذيع الأمريكي المثير للجدل تكر كارلسون، بيد أن المنطق والظروف المعاصرة تعمل ضد الفكرة، وتحرمها من البيئة المثالية لتنفيذها، فهي تتطلب قدرا من الغموض والسرية، وهو ما لا يتحقق في عالم اليوم المتصل بكل تفاصيله، والمعلن على مدار الثانية.