عشق بن محمد بن سعيدان
من كهوف مرّان، القرية الواقعة في أقصى شمال اليمن إلى القصر الرئاسي في صنعاء كانت هذه مسيرة الحوثيين التي لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين من أسلافهم ولم تكن في مخيلة أكبر المتشائمين من خصومهم.
نعم هناك عوامل ساعدت هذه الجماعة وأبرزها وأهمها الجرأة التي اكتسبتها في مواجهتها للدولة في حروب ست بدأت عام 2004، إضافة إلى المرحلة الانتقالية التي عاشتها البلاد منذ عام 2011؛ حتى أصبحت الحركة منذ سبتمبر (أيلول) 2014، القوة الوحيدة التي تتحكم بمقاليد حكم البلاد، مرتكزة على ميليشياتها التي دربتها في معسكرات خاصة في معقلها بمحافظة صعدة، بالإضافة إلى عدة عوامل مكنت الحركة الحوثية من امتلاك نحو 70 في المائة من قدرات الجيش اليمني، منذ بدء إسقاطهم لمعسكرات الدولة من عمران وحتى صنعاء، مما جعلهم يمتلكون حينها أكثر من 120 دبابة من نوع (T55 - T62)، ونحو 70 مدرعة (BTR – BMB .20)، ومدفع (شيلكا وهاوتزر ذاتي الحركة)، ونحو 10 عربات (كاتيوشا)، وما يقارب المائة صاروخ (بين حراري مضاد للطيران وغراد بر - بر)، وأكثر من مائة مدرعة تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة، إلى جانب مئات الأطقم العسكرية وعشرات المخازن للذخيرة الحية، مع توقعات بحصولهم على شحنات صواريخ إيرانية نوعية.
وبهذا تمكنت من التحكم على كل مفاصل الدولة وبالحكم المطلق، دون أي مقاومة داخلية تذكر في ذلك الوقت.
وعندما نتحدث عن مسيرة الحوثة أو من يسمون أنفسهم (أنصار الله) فنحن نتحدث عن سيرة ومسيرة درامية مليئة بالحقد على جميع أطياف وشرائح اليمن، فهذه الجماعة المدعومة من نظام ولاية الفقيه الحاكم لإيران، تم تلقين وتعليم رموزها على الحقد الطائفي ومعاداة كل من يخالفهم، وتجنيدهم على مسار ومنهج الخميني؛ حتى أصبحوا من أهم ركائز تصدير الثورة الخمينية، وأهم ذراع لتحقيق خطته الخمسينية بجانب ما يسمى (حزب الله) اللبناني، فقد تمكن الحوثيون بمساعدة خبراء من الحرس الثوري الإيراني من رسم الخارطة السياسية العسكرية والاجتماعية، في بلد يُعد من أكثر دول العالم فقراً وفساداً، إن لم يكون المتصدر الأول لهما على مستوى العالم.
جرائم الحوثي الطائفية
قامت المليشيا الحوثية بهجوم واعتداءات على دور تحفيظ القرآن، وعلى المساجد، وعلى منازل العلماء، ومشايخ القبائل والمسؤولين السابقين والمواطنين الرافضين لهم وتفجيرها، إذ ارتكبت هذه المليشيا الطائفية مجزرة ضد علماء وطلبة تحفيظ القرآن في منطقه «دمّاج» في جريمة قتل جماعي أمام مسمع ومرأى من العالم، وتواصلت هذه الانتهاكات والجرائم تدريجياً في كل مناطق اليمن من قتل وتفجير وتهجير وتشريد.
ومن الجرائم الحوثية التي تهدد الإنسانية في اليمن زراعتها لأكثر من ثلاثة ملايين لغم في مناطق متعددة؛ حتى صنفت بعض المنظمات الدولية اليمن كأكبر مزرعة ألغام في العالم، ما يؤكد حقدهم على اليمن أرضاً وإنساناً، وبعد تمكن الحوثي من الحكم، ومع استمرار الوقت؛ بدأ الحوثي يرسم ملامح دولته التي يريدها، وهي دولة طائفية تقوم على عقيدة معادية لا تقبل الآخر؛ فقد قام بتغيير المناهج في المدارس بمناهج تحث وتحرض على البغضاء والطعن والشتم والسب في رموز الأمة الإسلامية، معادين بهذا ومخالفين لكل المذاهب الإسلامية، مقتبسين هذه المناهج والروايات المضللة والكاذبة من حوزات «قم» و»مشهد».
ومن أعظم الجرائم التي تمارسها المليشيا الحوثية تجنيد الأطفال فيما يسمى بـ(الدورات الصيفية) والتي تنظمها هذه المليشيا لتعليم الأطفال وتلقينهم معلومات تشجعهم على الحقد وعلى الإرهاب وتزج بهم في نهاية المطاف إلى محارق الموت في صمت مريب من المنظمات الإنسانية التي تمنع تجنيد واستغلال الأطفال في الحروب.
ومن ضمن الانتهاكات التي يعاني منها المواطن اليمني، ما تفرضه هذه المليشيا من إتاوات على المواطنين ومشاركتهم في أرزاقهم رغم الضائقة التي يعيشها الإنسان اليمني بوجود هذه المليشيا التي سرقت المليارات من أموال الشعب من البنك المركزي.
ولم ينجُ من جرائم الحوثي أي كائن تدب فيه الحياة في أرض اليمن، فقد هددت هذه المليشيا الجزر اليمنية المليئة بالثروات السمكية والشعاب المرجانية بحجزهم لناقلة نفط تحمل أكثر من مليون برميل من النفط ابتزت فيه هذه المليشيا اليمن و المجتمع الدولي للوصول إلى حل لهذه المشكلة التي كانت كابوساً مزعجاً طيلة الثماني سنوات الماضية.
وهناك الكثير من الجرائم والفظائع التي لم نذكرها والتي ستنكشف في المستقبل.
ماذا لو اعترف المجتمع الدولي بحكم الحوثي
ولهذا قامت المملكة العربية السعودية بإنقاذ المنطقة وإنقاذ اليمن من هذا الشر المحتوم؛ فكانت عاصفة الحزم المباركة التي أنقذت المنطقة والعالم من شر وشيك، بدخول قوات التحالف العربي اليمن وتحرير جزء كبير من الأراضي اليمنية من براثن هذه الحركة. وبضغط عسكري وسياسي تم الاعتراف بالحكومة اليمنية كممثل وحيد للشعب اليمني، وصنفت المنطقة المليشيا الحوثية حركة إرهابية شأنها شأن داعش والقاعدة وغيرها من الحركات والمنظمات الظلامية الدموية.
ومازالت هذه المليشيا حتى كتابة هذا المقال تحتل العاصمة التاريخية صنعاء، ومازالت الضغوط والجهود السياسية والعسكرية تعمل وبصورة مستمرة، لكن نتساءل: هل ثمة اعتقاد أن مليشيا دموية وصلت في إجرامها إلى مراحل غير مسبوقة ستنصاع للسلام وستنخرط في شراكة وطنية مع القوى السياسية اليمنية الأخرى؟
في رأي اغلب اليمنيين والمطلعين، أن الحوثي لن ينصاع، ولن يقبل بأي شراكة وطنية، إلا بضغط دولي كبير أو عملية عسكرية شاملة. وهناك تساؤل آخر، مفاده:
هل سينسى اليمنيون جرائم هذه المليشيا التي جعلت البلاد في مهب الريح, وسيقبلون بشراكة معهم؟