م. بدر بن ناصر الحمدان
على الرغم من أن التعاريف التي تناولت «التراث الأخضر» انحازت جلّها إلى كونه نهج للمواقع التي تمثِّل الطبيعة مثل البيئات البرية والشبه طبيعية والمزروعة من أجل توفير مكان ملائم لتحسين حياة الإنسان من خلال استعادة العنصر الحي داخل هذه الأماكن، إلا أن الأمر لا يزال يتطلب مزيداً من الدراسة والبحث لتناول التراث الأخضر من زاوية «العمارة الخضراء» والتي هي عبارة عن مجموعة من المبادئ والتقنيات التي تستخدم في تصميم المباني والبيئة المحيطة لها بطريقة تحد من تأثيرها البيئي وتسهم في المحافظة على الموارد الطبيعية وتحسين جودة الحياة وكانت النموذج التي اعتمد عليه تكوّن ونشأة المدن العتيقة والقرى التراثية ومباني التراث العمراني التي شكلت نموذجاً للعمارة التقليدية آنذاك.
لو تناولنا على سبيل المثال «مبادئ هانوفر» التي صاغها «المعماري وليام ماكدونو» عام 1992م من أجل اكسبو هانوفر 2000م والتي مثلّت المبادئ البيئية لتصميم المباني والمساحات الحضرية كـ»مجموعة من البيانات حول تصميم المباني والأشياء مع توقع تأثيرها البيئي وتأثيرها على استدامة النمو وتأثيرها العام على المجتمع»، لوجدنا أن مواقع التراث الثقافي الإنساني - في المملكة على سبيل المثال - قد حققت نسبة متقدمة من هذه المبادئ التي تضمنت التأكيد على حق الإنسانية والطبيعة في التعايش، والتعرّف على الاعتماد المتبادل بين التصميم والعالم الطبيعي المحيط، واحترام العلاقات بين الروح والمادة في علاقة الإنسان المعنوية بمكونات البيئة المبنية، وتحمّل المسؤولية عن عواقب قرارات التصميم وتأثيرها على رفاهية الإنسان، وبقاء النظم الطبيعية وحقها في التعايش، وإنشاء ممتلكات وأصول آمنة ذات قيمة طويلة المدى، والقضاء على مفهوم النفايات، والاعتماد على تدفقات ومصادر الطاقة الطبيعية، وفهم قيود التصميم والتعامل بحدود مع الطبيعة، وأخيراً السعي إلى التحسين المستمر من خلال تبادل المعرفة.
مباني التراث العمراني في القرى التراثية يمكنها أن تكون عنواناً رئيساً للتراث الأخضر المبني والذي تشكّل عبر الزمن من مكونات الطبيعة وأصبحت أحد أكثر الأصول الثقافية تحقيقاً لمدى قدرتها على الإيفاء بمبادئ العمارة الخضراء، لذلك فهي تمثِّل مصدر ثري ومرجع للمتخصصين والباحثين في اكتشاف مبادئها التي ظهرت في وقت مبكر من تاريخ الإنسان على هذه الأرض وتوظيفها في مبادئ تصميم العمران الأخضر الحديث.