د. محمد عبدالله الخازم
شعرت بالبهجة بصدور الموافقة على نظام حقوق ذوي الإعاقة وما حواه من مميزات وتفاصيل إيجابية ومتقدمة في المجال الحقوقي والإنساني. لعل خلفيتي ومسيرتي المهنية في تخصص التأهيل الصحي، إضافة إلى بعض قصص سنسردها أدناه، تؤهلني لأكون شاهداً على التطور. قبل سرد بعض المحطات، أشكر كل من أسهم في إصدار هذا النظام وهم كثر، حيث صدور الأنظمة يمر عبر حلقات ومسارات عديدة قبل إصداره. أهنئ هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة بهذا الإنجاز، وهي الفـتية التي أحدثت الكثير في موضوع التعامل مع أصحاب الإعاقات، بكادرها الشاب الذي يقوده الزميل د. هشام الحيدي ومجلس إدارتها برئاسة معالي وزير الموارد البشرية والشؤون الاجتماعية.
في بدايات التسعينيات، حينما كنت أعمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي، بادرت بفحص بعض مباني المستشفى ورفع تقرير للإدارة حول عدم مناسبتها لحركة ذوي الإعاقة. استغرب بعضهم، بما فيهم زملاء المهنة تلك الخطوة، ولن أقول وصفوها «باللقافة»!
رحب بي الزملاء عمر العضية وعلي صنبع وعلي الغامدي للعمل معهم (1996-98م) في اتحاد رياضة المعوقين (تم تغيير المسمى لاحقاً)، كانت هناك ألعاب القوى ثم أدخلت لعبة التنس، وكان العمل تطوعياً بحتاً. كنا نحصل على مكافأة رمزية وإذن التفرغ من العمل خلال البطولات الدولية، بينما العمل خلال التدريبات والبطولات المحلية كان مجانيا، خارج أوقات العمل الرسمية. عملت معالجاً ومصنفاً طبياً وكنت أشفق على الزميل العضية - صاحب القلب الكبير - تكسرت سيارته الخاصة من حمل كراسي اللاعبين وأدواتهم فيها. لم يكن هناك ملاعب أو مقرات خاصة بهم وإنما حسب التساهيل والموافقات ننتقل من مكان لآخر. عملت وسافرت مع أصحاب الإعاقات وتعلمت منهم الكثير، قبل الانتقال للعمل الأكاديمي في مدينة أخرى. عند عملي كعضو هيئة تدريس، كان موضوع خدمة ودراسات أصحاب الإعاقات أحد الاهتمامات التي حاولنا توجيه الطلاب نحوها. بل إن آخر زيارة (2022م) علمية قمت بها مع طلابنا - قبل مغادرتي الجامعة- كانت لنادي رياضة ذوي الإعاقة. أصبح لديهم ناد ومقر وألعاب وجوائز متنوعة ومشاركات عالمية.
بدأت كاتباً رياضياً (96-98م) وكانت قضايا أصحاب الإعاقات؛ إصاباتهم ومتطلباتهم وتصنيفهم أهم المواضيع التي كتبنا وكافحنا لنشر الوعي حولها. أذكر هنا بأن أستاذنا أحمد المصيبيح - محرر ملحق دنيا الرياضة حينها- غير مسمى زاويتي إلى «رأي مختلف» والمبرر هو كتابتي في مواضيع، ومنها ما يتعلق برياضة ذوي الإعاقة، خارج المألوف والضجيج المعتاد المتعلق بكرة القدم، لذا هي «رأي مختلف».
عندما بدأ التخطيط لتشييد مقر جامعة الملك سعود الصحية (2007م) طالبت بأكثر من طريقة بأن تؤسس كنموذج في صداقتها لأصحاب الإعاقات - أحتفظ بصور مقترحاتي- لكونها حديثة وتعنى بالتخصصات الصحية. للأسف لم يلتفت إلى مطالبي ولم يتحقق الحلم. أيضاً عملت مستشاراً لفترة قصيرة ضمن مشروع «سهولة الوصول الشامل» بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، ويحسب للمركز إصدار دليل مميز في هذا الشأن.
تلك مواقف أستعيدها كشاهد على «كيف كنا وكيف أصبحنا». الإعلام كان يعتبرها قضية مختلفة والمؤسسات بما فيها الصحية والتعليمية لم تكن مهيأة وواعية بمفهوم حقوق ذوي الإعاقة، حتى تلك البارزة منها. رياضة أصحاب الإعاقات كانت اجتهادات والآن منافسة عالمياً.
أقدر ما وصلنا إليه وتوج بصدور هذا النظام الذي أرجو تطبيق مضامينه عبر لوائح تنفيذية ملزمة. ولا أنسى التباهي بأهم عنصر يقود وساهم في هذه التحولات، ألاوهو الكفاءات الوطنية المميزة وفي مقدمتها المتخصصون في مجالات التأهيل الصحي. مازال المشوار طويلاً والمطالب والطموحات كبيرة...