خالد بن حمد المالك
مواقف دول إفريقيا وشعوبها نحو الانقلابات العسكرية على الأنظمة القائمة بين مؤيد أو معارض لها، حتى وإن كانت الأنظمة قد جاءت من خلال صناديق الانتخابات، إذ سرعان ما يشكك في نزاهتها، واتهام عناصر نافذة في تزييفها، واللعب بأوراقها، دون وجود ما يؤكد أو ينفي ما يثار حول ذلك.
**
القارة السمراء لم تشهد استقراراً يجعلها في مأمن من الصراعات، ولم تساعد القوى الأجنبية الفاعلة على الأرض في ضبط وتفعيل الأمن، وتحسين علاقاتها مع الشعوب، وصولاً إلى خلق أجواء تساعد على تحقيق وتلبية متطلبات هذه الشعوب.
**
والأنكى من ذلك أن الهدف من تواجد الأجنبي في دول القارة استغلال خيرات هذه الدول، وكأنها لازالت في مواقعها الاستعمارية القديمة، دون مراعاة لحق هذه الشعوب في الحياة الحرة الكريمة، وإذا ما حدث أي انقلاب عسكري في أي دولة إفريقية سارعت إلى المطالبة بالعودة إلى الديمقراطية وفق مصالحها، وتمكينها من الاستمرار في استنزاف خيراتها، دون أن تهتم بواقع الحال لشعوب هذه الدول المسروقة.
**
صحيح أن فرنسا أكبر المتضررين من هذه الانقلابات، خاصة وأن توجه هذه الانقلابات تفوح منه رائحة الكراهية وعدم الرغبة في استمرار التعاون مع باريس، وفي المقابل فإن بقية الدول تحاول أن تكون مواقفها من الانقلابات مشجعة ليكون لها قدمٌ مع التطورات الجديدة لهذه الدول، بأمل أن تكون البديل لمن أخذ عصاه ورحل، وهو إن تحقق فإن التغيير المنشود بالديمقراطية الحقيقية لن يتحقق.
**
انقلاب النيجر ثم الغابون لا يفصلهما سوى أيام، ومع أنهما جاءا امتداداً لانقلابات سابقة في عدد من الدول الإفريقية، ومن بينها مالي وتشاد وبوركينا فاسو وغيرها، فإن دولاً أخرى في القارة السمراء مرشحة هي الأخرى لانقلابات عسكرية، دون أن تضيف هذه الانقلابات ما يُحسّن الأوضاع المعيشية لشعوبها، رغم الثروات التي تتمتع بها وتذهب إلى القوى الأجنبية النافذة في سياسات وأنظمة هذه الدول.
**
ومع التلويح بتدخل عسكري ينهي مثل هذه الانقلابات، فإن حدثاً كهذا لو تم، فإن هذا يعني إراقة دماء، وقتل أبرياء، واستمرار الصراع، دون تحقيق السلام، والديمقراطية المزعومة، وحتى إن نجح فإن أي غطاء له لن يقنع المواطنين، ولن يجد مبرراً أو تفسيراً له، خاصة وأنه سيعتمد في دعمه ومساندته على دول أجنبية مستفيدة من استمرار الأوضاع على ما هي عليه في دول القارة السمراء.
**
كان على فرنسا بعد حقبة استعمارها، أن تُحسّن من تعاملها وعلاقاتها بهذه الدول، بما ينعكس على تحسين أوضاع شعوبها الحياتية، غير أن باريس انصرفت إلى الاستثمار بما يحقق لها عوائد كبيرة، ويمدها باحتياجاتها من المواد التي تفتقر إليها، حيث تجد في دول هذه القارة ما يلبي متطلباتها بأقل تكلفة مالية، وبضمان استمرار تدفقها.
**
لقد انزعجت الدول الأوروبية من هذه الانقلابات، وتعاملت أمريكا معها على قاعدة ما أُمرت بها وما ساءتني، فيما كان الموقف الصيني مرناً وحذراً، خاصة وأن بكين كانت قد بدأت تتقرب للدخول في أسواقها، كما هي روسيا، فيما أن الدول الإفريقية لا زالت غير قادرة على استكشاف مصالحها، وأين تكمن، وبأي أسلوب ونظام وسياسات تمكنها من أن تكون لها هيبتها وقدراتها وتحقيق آمال شعوبها في بناء دولها على نحوٍ لا تكون فيه رهينة للأجنبي، أو مستسلمة له، كما لو أن حقبة الاستعمار لا زالت قائمة.