لا يمكن الحديث عن تطبيقات الهواتف وفي مقدمتها الصاعد بقوة التيك توك صاحب آخر إحصائية له في مارس الماضي بواقع المليار و600 مليون مستخدم دون أن نتحدث عن تقليل الانبعاثات التافهة الصادرة منه، وبحكم أني من مدمني التطبيق الحديث ومع امتعاضي لتنبؤاته التي يقدمها لي يومياً إلا أنني أخيراً أذهلتني قدرة التطبيق على إعادة تدوير المنسي منه وتقديمه على نحو تفاعلي ولو أنه يقلل من معناه الحقيقي.
عام 2011 قدمت المغنية الأمريكية ليدي غاغا أغنية جميلة بعنوان Blood Mary مرت على هذه الأغنية اثنتي عشرة سنة لم تتجاوز مشاهداتها في يوتيوب حاجز الـ250 ألفاً وفي عام 2022 م قامت الفنانة الصغيرة جينا أورتيغا بتمثيل مشهد راقص في مسلسل الرعب الساخر Wednesday عندها قام مستخدمو التيك توك بدمج أغنية غاغا بالرقصة أصبحت في فترة قصيرة جداً من الأكثر الأغاني استماعاً، وتتجاوز الأغنية بعد ذلك حاجز الـ 85 مليون مشاهدة في اليوتيوب.
وهنا نرى بأن التيك توك ساعد على إعادة سماع الناس لمنتج غنائي منسي لم يعره الناس انتباهاً لفترة طويلة ومن ثم أدخلنا في مرحلة جديدة ساعدت المنتج على أن يقفز أكثر إلى حد بعيد، وسبق لعلم النفس الاجتماعي بالتطرق له وهي ظاهرة تسمى نظرية التعرض المجرد وهي ظاهرة نفسية تصف كيف يميل الناس إلى تطوير تفضيل للأشياء لمجرد أنهم على دراية بها حيث تقترح هذه الدراسة أن تكرار أغنية يمكن أن يساعد الشخص على الارتباط بها. هذا لأنه كلما سمعنا شيئًا ما، أصبح مألوفًا لنا أكثر. وكلما كان الشيء مألوفًا لنا، زاد إعجابنا به.
اعتمدت شركات الصوتيات في أمريكا في ستينيات القرن الماضي على هذه الظاهرة عبر تكرار ما تريد من الناس سماعه ليتعلقوا أكثر بمنتجاتهم الصوتية التي بدورها حققت لهم أرباح خرافية لمجرد أن المتلقي يستمع لأغنية يتم تعمد تكرارها في المذياع دائماً.
غيرت التيك توك المسار قليلاً ولكن لما هو منسي مع إضافة ميزات مونتاجية يستطيع المستخدم التفاعل معها، ما قلته لك لا يتعلق بالأغنية فقط وإنما بمشاهد تلفزيونية وإبداعية وثقافية أخرى، ونستطيع القول من خلالها بأن المنسي ليس بمنأى عن الظهور والرواج مرة أخرى في زمن التكنولوجيا، وهذه من الجوانب المفضلة لي التي تساعدنا على فهم ما يتم تقديمه من الأرشيف وتكراره لغرض معين يجب البحث عنه.
** **
- إبراهيم المكرمي