سهوب بغدادي
في مقال سابق لي على صحيفة الجزيرة عام 2020 بعنوان»كشجرة طيبة» طرحت تساؤلاً كالآتي: «هل تساءلت يومًا عن مسيرة شخص ناجح؟ ما سبب نجاحه؟ وما الدافع الدفين الذي حمله إلى بر الأحلام؟ بالتأكيد إنها سلسلة من الأمور المتراكبة بشكل مقدر، ولكنني أكاد أجزم بأن هنالك على الدوام كلمة أو جملة داعبت مخيلته، وحملته على مراكب الأحلام» أيضاً «ماوجه الشبه بين الكلام والشجرة؟ قال تعالى في مُحكم كتابه الحكيم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}.«إن الكلمة الطيبة مثل الشجرة الطيبة». تلك الجملة تحمل في جنباتها معاني أسمى وأرقى من ظاهرها. فإن كانت الكلمة الطيبة صدقة، والصدقة نماء متواتر مصداقًا لقول الرحمن الرحيم: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، فالرابط بين الكلام الطيب والشجرة هو النماء والاستمرارية والأثر غير المنقطع، وإن انقطع الأصل فسيبقى الثمر أو الزهر، وفي حال انعدم الناتج فستبقى البذرة الطيبة مصونة في باطن الأرض والقلب» مما تقدم، نستشف أن الكلم الطيب من أهم وسائل التحبب والوصول إلى القلوب، إن كان المتلقي كبيرًا أو صغيرًا على حدٍّ سواء، فكما نعرف أن الكلمة الطيبة صدقة، كذلك الكلمة غير الطيبة ذات تبعات وتداعيات، بداية من نعومة الأظافر كابن وابنة وطلاب وصولاً إلى المشيخ، وهناك العديد من الأمثلة على كلمات خالدة قيلت لأشخاص في أضعف لحظاتهم أو مجرد كلمة خاطفة في لحظة عادية لتبقى عمراً مديداً وتورث لأجيال قادمة، ومثال تاريخي على ذلك ماحصل مع الموسيقار بتهوفن عندما وصفه أحد معلميه بأنه يفتقر للأذن الموسيقية، كذلك اينشتاين الذي تأخر في النطق وعانى من صعوبات التعلم ونعت بالغبي ولكنه أصبح عالماً في نهاية المطاف، وقد وجد كل من بتهوفن واينشتاين كلمات طيبة سواء من معلم أو صديق أو أم، لذلك اتقدت الشعلة بعد انطفائها أو ازدادت توهجاً بمرور الأيام، وأذكر لكم مثالاً معاصراً روته لي إحدى الصديقات التي اشتكت من وجع في القلب لفترة، تقول»ذهبت إلى المستشفى فكان في استقبالي امرأة سعودية بشوشة قالت لي بعفوية تبحثين عن أي قسم عزيزتي؟ فرددت: أمراض القلب، فقالت الموظفة المدعوة فاطمة العيسى»سلامة قلبك ياقلبي» تقول تلك الصديقة «لقد ذهب مابي من ألم ووجع وبت أضحك على عفوية ولطافة الموقف» وفقاً للصديقة أنها شعرت بأن حالتها أفضل بمجردماعها كلمات بسيطة من شخص غريب، فيا جمال الأرواح الطيبة التي تحمل الطيب والخير قولا وفعلا، وما الحياة سوى ذكرى تحمل في طياتها اللحظات السارة والمواقف الصعبة التي تجاوزناها بفضل الله وتسخيره عباده الصالحين لنا، جعلنا الله وإياكم كما يحب ويرضى، وجمل حياتنا بنور الإيمان والرفقة الطيبة، طاب يومكم.