لم تكن كل تلك الجهود التي بذلت منذ عشرات السنين التي بدأها رائد السياحة الأول في بلادنا سمو مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وقت أن كان أميراً لمنطقة عسير ثم برامج التنشيط السياحي التي كانت تقام صيف كل عام في أغلب المدن السعودية، وما تلاها بعد ذلك من جهود وإنجازات ملموسة منذ تأسيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على يد مؤسسها سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الذي قادها بحنكة وخبرة وبعد نظر لتهيئة البيئة المناسبة لقيام هذا القطاع ووضع الأنظمة والقواعد السليمة لانطلاقها بقوة وعلى أسس سليمة، وهو ما تحقق على أرض الواقع من توفير المرافق والخدمات الأساسية، ووجود العديد من القطاعات والأنشطة ذات العلاقة بالسياحة، والتوجه لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع وخروج شركات وطنية للاستثمار السياحي، وتسجيل عدد من المواقع الأثرية في قائمة التراث العالمي باليونسكو، وإنشاء هيئة مستقلة للترفيه حتى أصبحنا نرى مسميات وظيفية جديدة مثل منظمي الرحلات والمرشدين السياحيين والكثير من مفردات ومقومات السياحة بمفهومها العالمي.
وطني هويتك للسمو خليلا
وهويت أهلك سادة وفحولا
وعشقت فيك سماحة وشهامة
وسياحة قد سهلت تسهيلا
وأعود لأقول إن كل تلك الجهود وذلك الحرص والإصرار على الاستفادة من هذا القطاع الحيوي بالشكل الصحيح لم تكن مجرد عبث وأحلام في الهواء، بل كانت مقدمات لبناء صناعة سياحية وطنية متكاملة ترفد الاقتصاد الوطني وتسهم في بناء الوطن وتدعم استمرار نمائه ورفاهيته وتوفر آلاف الفرص الوظيفية الواعدة.
لقد استشعرت كل تلك المعاني والطموحات التي عايشت بعضاً منها عندما كنت أشارك متطوعاً في لجنة التنشيط السياحي بالطائف منذ عدة سنوات، وأنا أرى الكثيرين وقد حزموا حقائب سفرهم في مستهل هذا الصيف ميممين نحو الخارج تاركين سياحة الوطن وما يحفل به من كنوز ومزايا سياحية فريدة لعل في مقدمتها وأهمها توفر عنصر الأمن والاستقرار المفقود في أغلب الدول السياحية الأجنبية، وتذكرت وقتها تلك القصيدة التي قرأتها قبل عدة سنوات بعنوان السياحة في بلادي لأحد رجال الوطن المخلصين والعاملين بحب ووطنية الأديب والشاعر صالح الحمد المالك رحمه الله التي استهلها بتلك الأبيات السابقة مجسداً فيها تطلعات كل مواطن مخلص تجاه بلاده ومرابعها الجميلة ليحلق بنا بعد ذلك في جولة سياحة شعرية في ربوع الوطن مشيراً في البدء إلى ما وصلت إليه السياحة في بلادنا من مكانة متميزة وتنوع في معطياتها ومكوناتها الطبيعية فيقول:
إن السياحة في ربوع بلادنا
شيء يفوق الوصف والتحليلا
فيها ترى المتع المباح فعالها
قد فعلت بكياسة تفعيلا
وترى بها ما يستطاب وتشتهي
ويسر فتيانا بها وكهولا
ثم يأتي في قصيدته تلك على ذكر أهم سياحة وهبها الله لنا وتميزنا بها في هذه البلاد تلكم هي السياحة الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكم هو جميل أن تستفتح الأسر السعودية رحلة الاصطياف بزيارة لهذه الأماكن المقدسة لتستمتع بقضاء أجمل الأوقات مع الله في رحابها الطاهرة.
(فبمكة) تجد السياحة متعة
قد كملت لذوي التقى تكميلا
تلقى بها للمتقين مثابة
وبها ترى التسبيح والتهليلا
وأذكر بكل الحب (طيبة) إنها
دار العبادة شرفت تبجيلا
فإذا اردت سياحة وعبادة
فإلى (المدينة) أسرع التحويلا
وبعد ذلك يأتي على وصف مناطق الاصطياف المشهورة في بلادنا ومنها تلك التي تتمتع بالشواطئ الجميلة سواء في غرب البلاد في مدينة جدة وينبع أو المنطقة الشرقية فيقول:
وأسعد بشرق بلادنا وأشد به
مدحاً يرتل في الورى ترتيلا
فيه الشواطئ رائعات كلها
عرج عليها غدوة ومقيلا
ولا ينسى وهو يأتي على ذكر المناطق الشاطئية الفاتنة أن يذكر أيضاً مدن شمال البلاد الجبلية أو الساحلية في ضباء والجوف ونيوم التي أصبحت اليوم مقصداً للسياح طوال العام فيقول:
وإذا نسيت فلست دهري ناسياً
مغنى تميز بالوفاء نبيلا
ذاك الشمال وبوركت أيامه
وله الثناء معطراً موصولا
ثم يعرج على ذكر مصائفنئا المتربعة على قمم جبال السروات بهوائها العليل ومناظرها الخلابة سواء كانت في عروس المصائف ومصيف الملوك الطائف أو الباحة أو أبها فيقول:
يا حبذا (أبها) وشم جبالها
فيها يقابلك الهواء عليلا
يا حبذا تلك الشعاب ونبتها
وزهورها إذ شكلت تشكيلا
فيها الجمال المستطاب رواؤه
وبها ستسمع للحمام هديلا
و(الباحة) الخضراء طاب نسيمها
يا حبذا فيها المقام طويلا
هذا الجنوب على امتداد جباله
تلقى به ظلا يطيب ظليلا
ويختتم شاعرنا جولته السياحية الممتعة هذه بالدعوة الصادقة المخلصة للسياحة في ربوع الوطن والتذكير بأهمية السياحة المحلية ومخاطر السياحة الخارجية ومشاكلها العديدة فيقول:
يامن يريد سياحة وسعادة
يمم بلادك واترك التحويلا
اترك بلاد الغرب لا ترحل لها
وحذار لا تقبل هناك رحيلا
فيها لنا الشر الاكيد مخططاً
وبها ترى الايذاء والتضليلا
إننا وبكل ما تقدم ذكره لا نقول إننا بلغنا الكمال في هذه الصناعة واستطعنا الاستفادة الكاملة من هذا المورد الاقتصادي المهم الذي يمثل لمعظم الدول جزء اساس في دخلها القومي، بل ووفق كل المعطيات الملموسة والحقائق والارقام المسجلة والمعلنة التي تشير إلى أن السياحة المحلية لدينا آخذة في نمو متصاعد، وهو ما يؤكد بأننا نسير على الطريق الصحيح، ومع ذلك ونحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة من مسيرة التطور غير المسبوقة في بلادنا فما زلنا لترسيخ هذه الصناعة وتوطيد أركانها بحاجة لمزيد من المبادرات والأنظمة وتحسين الخدمات والتنسيق المستمر مع كافة القطاعات ذات الصلة، والمزيد من عوامل الجذب التي تعطي زخم سياحي متميز وتجعلها دوماً في نمو وازدهار، لتحقق توجه حكومة خادم الحرمين الشريفين لدعم وتشجيع السياحة الداخلية واستكمال كافة جوانبها، وتحقق سعادة ورضا المواطن والمقيم والزائر، ورحم الله شاعرنا الراحل صالح المالك على ذلك التطواف الممتع، وصدق من قال سياحة في بلدك خير لك ولولدك.