اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
ويُعرَّف التنميط بأنه الحكم الصادر والمتعارف عليه في بيئة من البيئات بشأن وجود فكرة مسبقة وقناعة معممة بطريقة مبالغاً فيها عن مجموعة بشرية معينة، حيث يتم إطلاق صفة العمومية على كل الأفراد الذين ينتمون إلى هذه المجموعة بناءً على فكرة أو ذاكرة أو تجربة سابقة، ويشار إلى ذلك أحياناً بالصور أو القوالب النمطية.
والقوالب النمطية هي أفكار ذات مفهوم مبسط حول مجموعة من البشر من قبل مجموعة أخرى، دون أن تحسب المجموعة المتبنية للتنميط حساباً للاختلافات الفردية أو تضع في اعتبارها ما يتعارض مع ذلك من اهتمامات جانبية.
والغرب بزعامة أمريكا اتخذ من التنميط سلاحاً لإثبات الهوية الوطنية والأصول الغربية على حساب الأقليات في الداخل وما تعانيه من التنميط المكشوف والتمييز العنصري المعروف، كما أنه دأب على ممارسة الإرجاف والتنميط ونظام العولمة ضد الشعوب الأخرى لإرغامها على استبدال قيمها وآدابها المرعية بالقيم والآداب الغربية مستفيداً من ظاهرة الإرهاب والحروب المهجنة والثورات الملونة.
وما يحصل للمسلمين وغيرهم من أشكال التمييز العنصري المنظم من قبل الغرب ما هو إلا إمعان في ظاهرة التنميط التي يتبناها هؤلاء القوم بما يخدم أهدافهم الجيوسياسية وأطماعهم الاستعمارية، وهي ظاهرة ترعاها المؤسسات والهيئات الرسمية والإعلامية كما تدعمها مراكز البحث العلمي والمرافق التعليمية والتكنولوجية.
وأحوال المسلمين المترَدّية والممارسات الدونية لبعض المحسوبين على الإسلام وظاهرة التطرف والإرهاب ومغالاة الغرب في سياسة التنميط دون أن يحسب حساباً لما يترتب عليها من أفعال وردود أفعال، كل ذلك فسح المجال لجعل التعامل مع الموقف معرضاً لأن ينزل مستواه عن مستوى الحكومات إلى مستوى بعض الجماعات الدينية والعرقية المتشددة، الأمر الذي يفسح المجال لإخراج الموقف من إطاره الفكري والسياسي إلى الإطار التنميطي الذي يؤدي إلى العنف والانتقام المتبادل.
والواقع أن الدول الغربية تتعامل مع القيم التي تنادي بها بشكل انتقائي وتكيل بمكيالين، فداخل دولها إذا لم تتفق هذه القيم مع مصالحها فلا مكان لها ومصيرها الإهمال والتجاهل، فالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الشخصية وحرية التعبير عن الرأي لن يقوم لها قائمة ولن يستقيم أمرها ما لم تنسجم مع المصالح والأهداف المعلومة والسياسات المرسومة لهذه الدول.
وعلى الجانب الآخر فإن الدول الغربية تتاجر بالقيم وتحاول فرضها على الآخرين بهدف الاستغلال والابتزاز، فهي تتعامل مع الخارج بمنطق القوة والمصلحة، فتارة ترفع شعار حقوق الإنسان، وتارة ثانية ترفع شعار الديمقراطية، وتارة ثالثة تعرف شعار حرية التعبير عن الرأي والحريات الشخصية، مستخدمة هذه الشعارات كذرائع للاستيلاء على ثروات الشعوب ومواردها الاقتصادية، كما تبيح لنفسها التدخل في شؤون الدول ومحاربتها تحت غطاء الدفاع عن القيم الغربية والدعوة إلى اتباع النهج الغربي والأخذ بقيمه المرفوضة وآدابه المبغوضة مع استغلال الثورة المعلوماتية والطفرة التقنية ونظام العولمة لتعويض الاستعمار القديم باستعمار جديد.
وللاستفادة من إيجابيات العولمة وتحييد سلبياتها وتفادياً للوقوع في فخ التنميط القسري الذي يحاول الغرب من خلاله إيجاد استعماراً جديداً بدلاً من الاستعمار القديم يتعين على الدول الإسلامية بناء الذات على المستوي القطري وإصلاح العلاقات البينية والعمل على إقامة تكتل اقتصادي وسياسي على المستوى الإقليمي والدولي مع التكيف والتأقلم مع الطفرة التقنية والفضاء الشبكي لمواجهة مظاهر العولمة والنتائج المترتبة عليها وذلك بالعمل الإيجابي والبحث عن البدائل التي تنسجم مع الواقع ولا تصطدم معه.
ولإصلاح ما أفسده تفريط المسلمين وتنميط الغربيين يجب التنسيق المستمر بين الدول الإسلامية عبر حكوماتها ومنظماتها المعتمدة للتعريف بالإسلام في صورته الصحيحة بدلاً من الصورة النمطية الخاطئة مع تحلي المسلمين بقيم ومبادئ الإسلام للظهور بالمظهر الإسلامي الحسن وإعطاء القدوة الصالحة والأسوة الحسنة.
ومن هذا المنطلق يتحتم استخدام القنوات الرسمية والوسائل الإعلامية لتوضيح المرجعيات الدينية والانتماءات الجزئية والكلية، ومن ثم تضافر الجهود بين المؤسسات الدينية المحلية في العواصم الغربية، وبين المنظمات الإسلامية ذات الاختصاص مع رفض الإقصاء والتمييز والتحيز والتعصب واحترام الرأي الآخر وثقافة الاختلاف ومواكبة العصر ومتغيراته دون الإخلال بالثوابت الدينية.
وعود على بدء ونظراً لأن الشجرة يتسبب لها في القطع أحد أغصانها فإن السيطرة على الإرجاف الداخلي يحد من تأثير الإرجاف الخارجي والتعامل مع المرجفين بالصبر والأناة يطرح ثماره بشكل يفسح المجال لدحض الباطل بالحق وترويض النفس على التعاطي مع المواقف وغربلتها والمفاضلة بينها لتفنيد إرجاف الخصم وتفريغه من محتواه.
ومواجهة الإرجاف تستدعي اتباع النصوص الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك لمنع الإرجاف الداخلي قبل حدوثه والتصدي له وتكذيبه إذا ما حدث وبالتالي حرمان الأعداء من تبنيه وتطويره، حيث إن تحريض الداخل والاستفادة من أراجيفه تشكل سلاحا يتسلح به المرجف الخارجي.
والوقاية قبل العلاج والتحسب للإرجاف هو السبيل إلى مواجهته، مما يتطلب من كل دولة إسلامية التمسك بانتمائها الديني والمحافظة على أمنها الوطني واعتبار أمنها القطري جزءاً لا يتجزأ من الأمن الكلي للأمة الإسلامية مع الحرص على الأمن الاجتماعي والالتفاف حول قيادات الأمة والاستفادة من أصحاب الاختصاص.
وفي الختام فإن التحكم في إرجاف الداخل وتحديد شكل الإرجاف الخارجي ومعرفة هوية المرجف ومواجهته بالحقائق هو المدخل لكيفية التعامل مع الإرجاف لضمان إبطال مفعوله وحرمان المرجف من تحصيل محصوله.