د.شريف بن محمد الأتربي
منذ أيام قليلة عاد أبناؤنا الطلبة إلى مقاعدهم الدراسية بعد عطلة نهاية العام الدراسي الفائت، وهي عطلة جاءت بعد ثلاثة فصول دراسية وإجازات مدرسية عدة، ما بين الطويلة والقصيرة، وقد أصدرت النتائج ونال كل واحد منهم نصيبه من الدرجات التي استطاع تحصيلها، ويبقى السؤال: هل نال كل منهم نصيبه من العلم والمعرفة، وتعلم المهارات، كما نال الآخرون؟
سعادة الدكتور حسن: لقد عملت؛ وما زلت أعمل في مجال التعليم منذ ما يقرب من 35 عامًا، عاصرت فيها أجيالاً وأجيالاً من الطلبة، أعدت لهم البرامج التعليمية، ووفرت لهم كل متطلبات التعليم والتقنية، ورغم ذلك كانت المحصلة للآمال محبطة، وللمجتمع مثبطة، فما تحقق لم يكن هو المرجو، وما آل إليه مصير الكثير من الطلبة لم يكن هو المرجو، والأعذار لذلك جاهزة، والتقارير التي تضع أغلب المسؤولية على الطالب أو المعلم مكتوبة وحاضرة، ورغم ذلك هناك من نجى، وبالعظماء اقتدى، فأكمل مسيرته، وتفتحت بصيرته، وأخرج كل ما في جعبته من علم الحاضر، وأعاد ملئها بعلم المستقبل.
سعادة الدكتور حسن، لقد جئت لقيادة التعليم العام في المملكة بعد أعلام مرت عليه، وأنت -ولله الحمد- صاحب سيرة محمودة، وبصيرة ممدودة، امتهنت العمل العلمي منذ نعومة أظافرك، وانخرطت في الميدان التربوي داخليًا وخارجيًا، أثقلت مهاراتك، ونمت معارفك، وتفتحت مداركك، فأصبحت من أعلام التعليم في المملكة، وحين احتاج الميدان لخبرتك، كانت العين الخبيرة ترمقك، وللقيادة ترشحك، فنلت منصبًا أنت تستحقه، ومقعدًا جاءك يسعى فأخذته حتى تعيد للتعليم سيرته الأولى، وللذي لعيوبه أنت عينك به بصيرة، فأمض فيما قد بدأت ونحن معك داعمين، ولرؤية مملكتنا -بإذن الله- محققين.
سعادة الدكتور حسن، لعلي في هذه الكلمات أوجز لك ما في القلب من آهات، فالتعليم العام يا سيدي يمر منذ فترة بمرحلة تجارب ما بين نظام الفصلين، والمقررات والمسارات، وكل يوم نسمع عن جديد من المقررات للنظام أضيفت، وتحت ذريعة التطوير في خطة الطلبة أسكنت، حتى أصبح عدد المقررات أكثر من عدد الساعات، وربما أكثر من عدد السنوات التعليمية ذاتها.
إن هدف التعليم العام حسب ما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، وضمن أهداف التنمية المستدامة: ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع. وفي مملكتنا الحبية كانت رؤية القيادة للتعليم واضحة وجلية، حيث خصص لها جانب كبير من الإنفاق والبرامج والمبادرات، ومن المهم في هذا السياق ذكر كلمة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في إحدى المقابلات حين قال: إن مصادر التعليم أصبحت مفتوحة، بيد أن التركيز سيكون في خطط التطوير على المهارات.
إن سوق العمل يا دكتور في مملكتنا متخمة بحفظة الكتب والمقررات، فقيرة من أصحاب المهارات الذين يضيعون 12 عامًا من حياتهم لحفظ معلومات قد لا يسمعونها مرة أخرى حتى في أحلامهم، نريد تعليمًا يرفد سوق العمل بالأكفاء الذين يسارعون الخطى إليه ليوطدوا مهاراتهم فيه، ويثبتوا قدراتهم أمام غير السعودي الذي يرى أن مهارته هي سبب بقائه وقدرته على المنافسة مع ابن الوطن.
سعادة الدكتور حسن، نحتاج إلى غربلة التعليم غربلة قاسية كما يقوم معالي الوزير بغربلة الوزارة للمضي قدمًا في تحقيق أهداف المملكة، والتخلص مما يعيقها، ومن المهم ترتيب الأولويات، ووضع خطة قصيرة المدى لتخليص الميدان من الشوائب التي تعرقله، والنظر إلى الطالب والمعلم كشركاء في عملية التعليم وليس لتحمل أسباب الفشل والتقصير. أطلق العنان للإبداع سواء داخل المقرر أو خارجه، لا تفرضوا على المعلم إستراتيجيات بعينها، ولا تقييمات بذاتها، دعوه يقيم طلابه حسب قدراتهم وليس حسب درجاتهم ومن ثم قيموا مخرجاته هو المهارية قبل المعرفية. أجعل المشرف التربوي ومدير المدرسة رفقاء درب النجاح، وليس رقباء على التقصير وعدم الفلاح.
سعادة الدكتور حسن، إن الصدر يضيق بالكثير والكثير، ولكني لا أرغب في استنزاف وقتك الثمين في قراءة كلمات ربما سمعت منها الكثير، فقط أقول لك: إن جميع أفراد المجتمع يرون فيك أنموذجًا للنجاح يتمنونه لأبنائهم، فسر على بركة الله ونحن معك.