د. عبدالواحد الحميد
فجعتنا الأخبار الحزينة التي انهمرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الأصدقاء التواصلية عن رحيل الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الدخيِّل المدير الأسبق لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران وعضو مجلس الشورى سابقاً. وقد كان رحيله، بالنسبة لي ولكثيرين مِمّن عرفوه عن قرب ولطلبة الجامعة، فاجعة شخصية لاعتبارات تتعلق بما جُبل عليه الفقيد العزيز من خصال إنسانية رائعة يعرفها أصدقاؤه وزملاؤه في العمل ويعرفها طلبة الجامعة وكل الذين جمعتهم معه دروب الحياة أو مواقع العمل. لكن رحيله أيضاً يتجاوز هذا البعد الشخصي الإنساني، فهو رجلٌ خدم وطنه في مواقع وظيفية كثيرة ومن خلال اللجان والمجالس والهيئات الوطنية والمؤسسات التعليمية، وكان مثالاً للحماس والنزاهة والإخلاص في العمل، ولذلك فإن رحيله هو فقدٌ وطني وليس شخصياً فقط.
زاملت الفقيد العزيز في كلية الإدارة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن حين كنا أعضاء هيئة تدريس بالكلية، فكان نعم الزميل، ثم بعد أن أصبح مديراً للجامعة تعاملت معه كمرؤوس له فلم أجد إلاَّ التواضع في التعامل والإخلاص العميق للجامعة ولمنسوبيها وطلبتها وهو الذي واكبها منذ بداياتها المبكرة ويعرف عنها كل صغيرة وكبيرة، وقد عمل على تطوير برامج الجامعة وخططها وحافظ على تألقها وكان دائماً يضع نصب عينيه رسالة الجامعة وخصوصيتها ويسعى إلى تحقيق الهدف الذي تم من أجله إنشاء الجامعة كجامعة متخصصة في الهندسة والعلوم وكطليعة تحديثية للاقتصاد السعودي من خلال جلب التقنية والعلوم واستزراعها في البيئة السعودية وإجراء البحوث والدراسات وتخريج الطلبة المتخصصين في هذه المجالات لتغذية سوق العمل المحلي بالكفاءات المتميزة.
وإلى جانب ذلك، تقلد الدكتور الدخيل الكثير من المهام والمواقع من خلال رئاسته للعديد من اللجان الوطنية وعضويته في مجالس إدارات مهمة كمجلس إدارة أرامكو السعودية وعضوية مجلس الشورى والمشاركة في لجان المجلس، وغير ذلك من المواقع، وكانت له إسهاماته في كل تلك المواقع.
وقد كان من حسن حظي أن زاملت الدكتور عبدالعزيز في مهام خارج إطار الجامعة التي عملنا فيها سوياً، مثل عضويتنا في الفريق الاستشاري للأمير سلطان بن عبدالعزيز وعضويتنا في مجلس أمناء جامعة اليمامة، وقد أتاحت لي تلك الزمالة ان أتعرف على الكثير من خصاله حيث كنا في بعض الأحيان رفاقاً في السفر مما أتاح مجالاً للنقاش والحديث في العديد من القضايا الفكرية، وخلال تلك الأسفار عرفت تعلُّق الدكتور عبدالعزيز بالقراءة الحرة في مجالات خارج تخصصه مثل القراءات الأدبية والفلسفية والإدارية والسياسية وغيرها.
وقد أتاحت له ثقافته الشمولية وخبراته الواسعة وتجاربه الطويلة أن يقدم إسهامات فكرية في مجال التأليف والكتابة، فكتب العديد من الكتب، ومارس كتاب المقال الصحفي في بعض صحفنا السعودية، وشارك في العديد من الندوات والأمسيات الثقافية. وقد عرفت منه أنه مارس الكتابة الصحفية في وقتٍ مبكر من حياته في زمن صحافة الأفراد، كما كان في يفاعته في الحجاز على اطلاع على الصحف والمجلات التي كانت تأتي من مصر ولبنان وبعض البلدان العربية الأخرى، وقد كان لتلك القراءات المبكرة والمتنوعة دورٌ في تكوين ثقافته وتوجهاته الفكرية.
وكان الدكتور الدخيل من الجيل الذي التحق بالبعثات الدراسية الخارجية في وقت مبكر، فدرس في الولايات المتحدة في عدد من الولايات والجامعات، وعايش التحولات السياسية والفكرية والاجتماعية التي اجتاحت الولايات المتحدة في الستينيات الميلادية من القرن الماضي بكل ما حملته من صخب وتفاعل. وقد كان لتجربة البعثة أثرٌ في توسيع أفقه، وانعكس ذلك على كتاباته وعلى إسهاماته في شتى المجالات إلى عمل فيها مديراً وموظفاً ومستشاراً.
إنني أشعر بالكثير من الحزن على فقد هذا الأخ الكبير والزميل الكريم والصديق العزيز، وسوف أتذكره كثيراً ما حييت في العديد من المواقف التي لا يمكن أن تُنسى، تلك المواقف التي كانت إنسانيتُه وصفاءُ نفسه تبرز فيها على أشد ما تكون الإنسانية ويكون الصفاء. وسأتذكر تلك الأوقات التي جمعتنا كجيران في السكن الجامعي لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وتبادلنا الزيارات وخروجنا لممارسة رياضة المشي في ملعب الجامعة ونقاشاتنا الفكرية والاجتماعية التي لم نكن معها نشعر بالتعب من ممارسة الرياضة ولا بانقضاء الوقت.
رحم الله أخي العزيز أبا يزيد معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الدخيَّل، وجزاه خير الجزاء على ما قدمه لوطنه، وعلى ما تركه من سيرة حسنة.