محمد سليمان العنقري
شكَّل اجتماع جوهانسبرغ لقمة مجموعة بريكس منعطفاً مهماً منذ تأسيسها عام 2009م والتي عقدت هذا العام تحت عنوان «بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة». ومن بين أهم القرارات الموافقة الجماعية من أعضائها الخمسة على توسيع عضويتها بدعوة ست دول هي السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وأثيوبيا وإيران، إذ يلاحظ أن هدف التوسع يغطي التوسع بالقارات الرئيسبة آسيا وإفريقبا وأميركا الجنوبية، وإقليمياً الشرق الأوسط، وأما الدول فهي تمثل أهم الأسواق والاقتصادات الناشئة، فالمجموعة تمثل حالياً 42 بالمائة من سكان العالم وحوالي 25 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي و16 بالمائة من حجم التجارة الدولية، وتعد أهم تكتل سياسي اقتصادي بعد محموعة السبع الكبار التي تمثل 43 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي، ويعدها البعض في الغرب ولدت لتنافسهم وتحد من هيمنتهم الدولية لتحقيق التوازن الافتصادي العالمي بين الدول المتقدمة والناشئة.
وبالعودة لواقع بريكس قبل وبعد التوسع فإنها حققت خطوات جيدة على صعيد تعزيز التجارة البينية بينهم، حيث تعفى 90 بالمائة من التعاملات التجارية من الرسوم الجمركية، كما أن تأسيس بنك التنمية الجديد يعد أهم الخطوات العملية التي اتخذت لإيجاد كيان دولي موازٍ ومنافس لصندوق النقد الدولي تحديداً، فمن المهم لكي تعزز العلاقة مع أصدقاء بريكس الذين حضروا القمة الأخيرة خصوصًا الدول الإفريقية أن يكون هناك أذرع تمويلية بديلة عن صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث باتت الأجندة السياسية من كبار المتنفذيين الغربيين بسياساتهما تظهر بشكل مقلق لطالبي التمويل من الدول الفقيرة والنامية بمحاولة إلزامها بسن قوانين أو تعديلها لا تتماشى مع قيم وعقيدة تلك الدول وثقافة شعوبها، ففرض قيم غربية عليهم أصبح مقلقاً لهم ولذلك فهم ينحازون لدول بريكس التي لا تضع اشتراطات تعد تدخلاً بشؤون طالبي القروض الداخلية، حيث حضر القمة خمسون دولة تقريبًا، وأبدت أربعون دولة رغبتها بالانضمام لعضوية المجموعة، فيما تقدمت 23 دولة بطلب رسمي ورغم أنه لم تعلن آليات الانضمام والأساس الذي توجه بموجبه الدعوات، لكن ما هو مهم أن مرحلة التوسع بدأت، وفي القمة القادمة بروسيا العام 2024 سيكون هناك أعضاء جدد وسيعتمد غالباً اسم جديد للمجموعة قد يكون حسب ما روج سابقاً «بريكس بلس»، لكن ما هي تبعات هذا التوسع وكذلك أين تكمن التحديات أمام المجموعة.
في الواقع المجموعة أُسست لكي تكون هذه الدول الخمسة مستقلة اقتصادباً عن الغرب من حيث التعامل التجاري بعيداً عن الدولار، أما بالعملات المحلية أو بعملة جديدة طرحت كفكرة للمجموعة، ولكن هذا المشروع يحتاج لوقت طويل وعمل شاق ليتحقق بالإضافة إلى زيادة التعامل التجاري بينهم باعتبار أنها أسواق ضخمة مما يقلل من تأثير خطر الغرب عليهم، فالصين ثلثا صادراتها تقريبًا تذهب لأميركا وأوروبا ولا تختلف بقية الدول عنها، ولذلك شبح أي عقوبات قد يؤثر بشكل بالغ عليهم كما حدث مع روسيا حالياً بعد حربها على أوكرانيا، بالإضافة إلى أنهم دول ضخمة سكانياً خصوصًا الصين والهند ويحتاحون للاستقلال التكنولوجي لامتلاك صناعات عديدة بتقنيات هم يطورونها في صناعات وإنتاج الغذاء والدواء والإكترونيات والحواسب والعديد من الصناعات الدقيقة والثقيلة كالطائرات المدنية، وكذلك الاستقلال المالي بعيدًا عن نظام سويفت للحوالات الذي يهيمن عليه الغرب، وكذلك توسيع حجم أسواق المال وجذب الاستثمارات في دولهم لتنويع مصادر التمويل والاستثمار، فهم دول لديها ممكنات قوة كنسبة التصنيع المرتفعة خصوصًا الصين التي تعد مصنع العالم بالإضافة لامتلاك المعادن وإنتاج سلع غذائية رئيسية كأكبر المنتجين و المصدرين للقمح والحبوب، ولكن بعد توسيع العضوية فإن ميزان القوة عالمياً سيتغير لصالح المجموعة بشكل كبير، إذ إن حجم الثروة الطبيعية للدول جميعاً بعد ضم الدول الستة سيتضاعف، فأكثر من 30 بالمائة من إنتاج كل من النفط والغاز عالمياً سيتركز بدول المجموعة بالإضافة للقوة الكبيرة باحتياطيات المعادن ذات الاستخدام الواسع كالحديد أو النادرة التي تستخدم بالصناعات الحديثة للرقائق الإلكترونية وبطاريات السيارات الكهربائية، أي أن المجموعة ستصبح أقوى في تأثيرها ووزنها الدولي إضافة إلى أنها بالمجمل الأقل مديونية والأكثر نموًا اقتصاديُا والتضخم فيها بالمجمل أفضل من الغرب المتقدم واحتياطياتها المالية كبيرة وفرص النمو لديها أعلى، كما أن توجه الدول النامية والتاشئة للارتباط بعلاقات تجارية مع المجموعة سيكون أسرع وأيسر.
قد يرى الغرب أن النفط والقمح والمعادن والتصنيع أبرز معالم قوة بريكس الحالية والقادمة، لكن ذلك ليس عين الحقيقة المطلقة، فالمجموعة يتركز جل دورها وأهدافها بالاقتصاد والتجارة والتطور التكنولوجي والمصالح الدولية معها واسعة وستتوسع بتأثيرها خلال العقدين القادمين رغم وجود تحديات أمامها كالاختلافات بوجهات النظر حيال بعض الملفات السياسية بالإضافة للعقوبات الغربية على روسيا وكذلك الحرب التجارية بين أميركا والصين، لكن مع كل ذلك فإن فرص بريكس بأن تبقى مجموعة ذات ثقل وتأثير دولي قائمة وترتفع، وهم لا يتعاملون بمبدأ عدائي للغرب بل يتوجهون لتعدد الأقطاب والتنافسية العادلة والشراكة مع الجميع، وبالتأكيد سينتظر العالم قرارات الدول التي وحهت لها الدعوة للانضمام لأن هذا التوسع سيمثل علامة فارقة بالنظام العالمي الجديد الذي يتشكل اقتصادياً بدرجة رئيسية وعندها ستشكل المجموعة 20 بالمائة من التجارة العالمية وأكثر من 30 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي، وهي نسب كبيرة جداً بالإضافة للأسواق الضخمة والخزان البشري الهائل كيد عاملة منتجة ومستهلكة.