د. نوف بنت محمد الزير
درجتْ في مختلف المواقف والأحداث، والحقب التاريخية والثقافية والأدبية والعلمية أن يتغنى روادها ومشاهدوها والمحيطون بتفاصيلها ويتوقفون كثيرًا عند آخرها، فيكون محل عنايتهم وتركيزهم وموطن التشويق وشد الانتباه لديهم، حتى أصبح مسك الختام مركزًا لكثير من الأحداث والترتيبات.
وهذا بلا شك له أثره وقيمته ومكانته، وهو كناية عما تحظى به الخاتمة من أهمية يبقى أثرها بقاء عطر المسك في النفوس الأجواء.
ولكن ماذا عن مسك البداية؟
في الحديث الذي حسّنه النووي وابن حجر قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللُّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبدأ بِذِكْرِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ: أَقْطَعُ).
فكل أمر من أمور الدين والدنيا ليكن تركيزك على أن تبدأه باسم الله مظنة كماله وحسنه وبركته بذكر اسم الله تعالى بداءة فيه وعليه.
حتى يومك إذا ابتدأته بذكر الله وصلاة الفجر في وقتها أصبحتَ طيّب النفس نشيطًا وسَعِد صباحك، وصاحبك ذلك الشعور البهيج سائر يومك.
إنه من الجدير بالتأمل أن ما بدأ جميلاً استصحب بهاءه الأحداث والتفاصيل التي تكون ما بين البداية والنهاية حتى نصل لنهاية توازي البداية وتنافسها رونقًا وجمالًا.
فمسك البدء يجعلك تستجمع قواك لتحافظ عليه وتزيده وتنتعش بوجوده ويستمر معك دائمًا أبدًا، وهذا يمكن أن تعيشه بكل سعادة في مسارات الحياة المختلفة.
ألا ترى أنك إذا بدأت عامك الجديد الدراسي والمهني بروح متألقة طامحة متهيئة لتحقيق أهدافك فيها - ألا ترى أن ذلك أشبه بوقود لا ينضب يحفزك لأن تصل مرادك سالماً غانمًا ممتلئًا بهجة وسرورًا؟
وكذا إذا بدأت سفرك باختيار أجمل الوجهات وأفضل الأماكن وأحسن الأوقات تكون انطلاقة تؤثر كثيراً فيما بعدها.
أولستَ تشعر أنه إذا أقبل عليك الضيف فبدأت استقباله متهللًا مستبشراً
تراه إذا ما جئته مُتهلّلاً
كأنّك تعطيه الذي أنت سائله
إن البهجة تدوم معه ومعك طول وقت الاستضافة، وأن مراسم الضيافة تكون غاية في الرقي والسعادة حتى ليتمنى الضيف والمضيف أن تمتد ساعاتها أكثر ويكون مداها أطول.
إن الخطوة الأولى والبداية الحميدة في كل مسارات الحياة تعني الشيء الكثير لما بعدها.
كما أن التصور الأول والشعور الأول الذي يتشكل في نفسك تجاه الأشياء والظروف والمواقف والأشخاص يجعلك تستصحب معك ومعهم كل تفاصيله.
فإذا اجتهدنا واستهدفنا جمال البدايات كانت المسيرة رائعة وكان الختام مسكًا بإذن الله.
إنه يجدر بنا أن يكون هذا العام الجديد حلة جديدة على حياتنا ومشاعرنا وأهدافنا وطموحاتنا.
وفي مدارسنا أن نُسعد أجيالنا برعايتهم ونحثهم على وضع اللبنة الأولى المميّزة في دراستهم وفي سائر شؤونهم لترافقهم في كافة مسارات حياتهم.
في التفكير والعلاقات، في المشاريع في الدراسة في السفر في النقاش وفي المفاوضات كلما ابتدأت بداية حسنة كانت مسيرة الموقف وتفاصيل كل شيء فيه مبنية عليها.
فلعلك تستفتح كل شيء بأحسن ما عندك لينالك الخير ويصاحبك الاطمئنان والراحة حتى تختم بأفضل ما يمكن، وكأنك قسمت أحسن ما لديك قسمين فنثرت عطر قسمه الأول في البداية ورافقتك رائحة الجمال حتى فاح قسمه الثاني في الختام فكان سعادة وبشرًا وحبًّا وعطرًا.
ماذا لو تبدأ من اليوم بفتح صفحة جديدة في حياتك مسكًا ليبدأ كل شيء جميلاً..؟
دونك الخير لتغرف منه بكلتا يديك...