د.وليد الروساء
يطلق مسمى الذاكرة المؤسسية على المخزون غير الملموس المعتمد على تخزين المعلومة واستعادتها، والتجارب القائم عليها وآراء الخبراء المساعد في صنع القرار الفعال في المؤسسة.
المميز في هذه الذاكرة أنها متاحة لجميع أفراد المنظمة عند الحاجة لها، لأنها تركز على زيادة الإنتاجية، وتحسين قدرات المؤسسة التنافسية ومن ثم تطور الاقتصاد المحلي. فيقوم الموظف بتسجيل وتدوين كيفية قيامه بالأعمال وشرح تلك العمليات حتى لا يتأثر العمل بغياب الشخص، فيزداد رصيد المعرفة في المؤسسة من خلال تخزين تلك المعلومات والبيانات والمفاهيم والخبرات والعلاقات وأفضل الممارسات عند المخضرمين.
انتهجت اليابان منذ التسعينات توثيق العمليات في المؤسسات وإجراءاتها وإضافة كل المعلومات ذات الصلة، وإنتاج مكتبة كاملة يرجع إليها حال الحاجة أو القيام بأعمال مشابهة للحفاظ على رأس المال المعرفي المنشأة. وما لذلك من تحسين السرعة والإنتاجية وإنجاز الأعمال بشكل أضبط واسرع. فتنشأ مؤسسات رشيقة مرنة قادرة على التغير والتكيف لمجابهة التغيرات. هذه الذاكرة تمنع من احتكار المعلومة، فتطوير الأعضاء روتين يومي حتى تستثار حلولهم الإبداعية. فتطور معارفهم المكتنزة.
تقوم الذاكرة المؤسسية على ركيزتين هما: الحفظ والاستخدام في حفظ جميع أعمال، مستندات، قواعد البيانات، والإجراءات، واللوائح، والوثائق، والسياسات والأدلة الخاصة بالمؤسسة، ويتم متابعتها والإفادة من المعلومة المحفوظة من خلال امتلاك آلية بحث فعالة. ويركز على المعلومة الشخصية، والخبرات التي يصعب مشاركتها وتتطلب دراية عالية من الكفاءة التواصلية.
من أهم مطالب الذاكرة المؤسسية سد الفجوة ما بين الموظف المخضرم، والموظف الجديد منعاً لضياع الأوقات، والأموال، من خلال مشاركة المعلومات والتجارب بالتدريب وإمكانية الوصول للمعلومة. بالتالي، تتجه المؤسسة إلى رقمنة أرشيفها وتحرص على المهنية في ذلك، فيقف الموظف الجديد على أكتاف العمالقة، فهذه الخبرات نتاج سياسات شاملة تستوعب التفاصيل وتحافظ على المعرفة.
يمكن أن ترقمن الثقافة، واللغة، والدين من خلال تطوير ممارسات مؤسسية قائمة على تفسير الخطاب، والتحليل اللغوي مما يجب أن يركز عليه لإظهار الثراء السعودي، بالتالي، يضبط من يمكن أن يؤثر في صناعة الهوية ونوعية الأفكار المقبولة وتفاصيل الذاكرة التنظيمية.
قد تتأثر الذاكرة المؤسسية بتفسيرات شخصية معينة، ولكن حال تداول الأيدي والعقول لها تتهذب المعرفة أكثر، وإن كان هنالك بعض الأشخاص الحاليين يتأثرون بممارسات السابقين وآليات عملهم وتحليلاتهم. وحال الباين، فيحسن النقاش مراعاة الحتمية الاقتصادية، والنظر في المصلحة المرعية العليا.
تركز الذاكرة المواءمة بين أداء جميع الإدارات ونوعيتها، فانتشار المعلومة يحمل الأفراد مسؤولية العمل كفريق واحد مهما كبر حجم المؤسسة، والتي كانت سابقة قائمة على تكرار الاجتماعات بين كبار الشخصيات، والمدراس لكلفة ذلك. يسهل تبادل المعلومات المضمنة من خلال حياة الموظف في بيئة العمل، وإمضاء وقت مع الزملاء، والعيش في البيئة نفسها وما ينتجه ذلك من حوارات متكررة للوصول إلى ممارسات تسهل تناقل المعارف.
تتوقف الذاكرة المؤسسية على الثقة بين زملاء العمل، فالعمل قائم على وعود صادقة، ليستجب الجميع بمعارفهم، التي تحفزها لغة إيجابية وتواصل يعزز شبكات اجتماعية مشجعة، ويسندها نظم بيانات متقدمة ترتب البيانات، وتحفظها وتمكن الوصول إليها بسهولة لتسهيل صنع القرار وتعزيزه، وتقاسم الخبرات. أما المكافأة فجزء الذاكرة الأساسي، فلكي تحقق الذاكرة دورها فلابد من حوافز قوية لتبادل المعرفة، فالمرء ينظر إلى ما يكسبه جراء كونه على أهبة الاستعداد لتقديم المعلومة وبذلها. يعزز ذلك ويؤسسه هياكل منظمة داعمة منزوعة الهياكل البيروقراطية وأثرها في إبطاء العمليات وقيود المعلومة.
في المقابل، يعيق الذاكرة أشياء منها: اللامبالاة في تقاسم المعرفة بسبب فقدان السياقات، وتعزيز الأنظمة المثبطة، واختلاف الثقافات، وضعف اللغة المشتركة وانعدام الكفاية التكنلوجية الداعمة، وضعف التوازن بين التخصصات، وانعدام وجود إستراتيجية متماسكة على نطاق المؤسسة، ورغبة بعض الموظفين في ألا يستغنى عنهم أبداً، ونظر بعض الموظفين أن تلك المعارف أعمال إضافية.
تقدمت الأمم حين أدركت أهمية الذاكرة المؤسسية وأثرها في نماء المعرفة التنظيمية وأنها استثمار مستقبلي، فهي عامل رئيس في فعالية المؤسسات الحكومية، وكفاءتها وقدرتها التنافسية العالمية، وتوقف ذلك العمل على ترتيبه، وإتاحته للموظفين، ومعالجة ما يتحوط ذلك من مشاكل محتملة، تتطلب من المخضرمين جهداً آنياً من خلال طرح تجاربهم، وخبراتهم والبناء عليها.
أبدأ الآن، وسجل مجالات عملك، ووثق كل ما تفعله، وتطور عملياتك، وإجراءاتك بشكل تفصيلي واحتفظ بسجلات دقيقة لكل مشروع تقوم به، وضع نفسك موضع الأستاذ أو المدير البديل الذي سيدرس ويدير المكتب مكانك فجأة ويحل محلك مباشرة، لا شك أن فترة أسبوعين (handover) لن تكون كافية بشكلها التقليدي، بل تستلزم ذاكرة تنظيمية صلبة.
أخلق المعرفة، واكتسبها، واحفظها، وتداولها فهي المحرك الرئيس للمؤسسة، فللموجودات المعرفية قيمة يعرف أهلها مكتنزة في مستودع الذاكرة المؤسسية. وتعزز من التنافسية بتحسين إدارة المعرفة والإسهام بشكل مؤثر في التعلم والتطوير المستمر، والمرونة.