«أردت أن أصطحب القارئ من يده لأجعله يعيش معي تلك السنوات في قصر الإليزيه كما لو أنه كان إلى جواري خلال تلك الأحداث»1.
بهذه العبارة يفتتح الرئيس الفرنسي السابق مقدمة كتابه الجديد «زمن المعارك» الذي يصدر عن دار النشر الفرنسية فايار في هذا الشهر أغسطس 2023 في حوالي 592صفحة.
يستعرض الكتاب جملة من القضايا السياسية الهامة التي وقعت خلال السنوات التي قضاها ساركوزي في قصر الإليزيه ورؤيته للأحداث التي جرت في الفترة من 2009 إلى 2011 وانطباعاته عن بعض الشخصيات السياسية الدولية والفرنسية. كما يتناول هذا الكتاب جانباً من المشاكل الداخلية التي لا تزال تضرب فرنسا كإصلاح نظام التقاعد وأعمال الشغب في الضواحي الفرنسية والسياسة الداخلية لفرنسا بشكل عام.
في «زمن المعارك» يتحدث المؤلف عن الانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2027 ودعمه اللامحدود لوزير الداخلية الحالي جيرال دارمانان في حملته الانتخابية المحتملة، كما ينتقد ساركوزي الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بسبب علاقة فرنسا المتوترة مع الجزائر والمغرب وأيضاً نتيجة للأزمة المشتعلة بين فرنسا وبعض دول غرب إفريقيا. ولأن ساركوزي يختلف مع ماكرون الرئيس الحالي لفرنسا الذي «يحلم بأن يكون سيد زمانه» حيال مجموعة من الأزمات التي تعصف بفرنسا خارجياً، على الرغم من تقديم الدعم له في حملته الانتخابية السابقة، فإن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يحذر ماكرون من مغبة تدهور العلاقات مع القارة الإفريقية.
سنقتصر في هذا المقال على قضيتين هامتين أولهما مساندة ساركوزي لجيرال دارمانان في الانتخابات الرئاسية القادمة، وثانيهما رأيه الجريء في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
أما عن وزير الداخلية الحالي جيرال دارمانان، الذي كان في سبتمبر 2014 متحدثاً رسمياً باسم حملة نيكولا ساركوزي المرشح لرئاسة حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية UMP، فيصفه هذا الأخير بأنه الموظف «الكفء والمخلص والشجاع». يتحدث ساركوزي عن مستقبل دارمانان السياسي الواعد بقوله: «إنه يستطيع أن يخطو خطوة إلى الأمام وأن يقدم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.
امتدح ساركوزي ذكاء وفطنة دارمانان الذي لم يمنعه انتماؤه إلى طبقة اجتماعية كادحة، فوالده الجزائري الأصل كان يعمل في حانة في منطقة فالنسيان وولدته المالطية كانت تعمل عاملة نظافة في بنك دو فرنس، من أن يرتقي أعلى وأهم المناصب السياسية في الدولة.
من الجدير بالذكر أن دارمانان، 41 عاماً، شغل منصب وزير العمل والحسابات العامة في حكومة أدوار فيليب في مايو 2017، وأصبح عضواً بالتجمع من أجل الجمهوريةRPR ، وعضواً بالاتحاد من أجل الحركة الشعبيةUMP ثم عضواً بحزب الجمهوريينLR ، كما تم انتخابه نائباً في عام 2012وعمدة بلدية توركوين في عام 2014. أيضاً تم انتخابه نائبا لرئيس المجلس الإقليمي لمنطقة أوت دو فرانس في عام 2016. أخيراً شغل دارمانان منصب وزير للداخلية في حكومة جان كاستيكس في عام 2020.
أما عن الحرب الروسية الأوكرانية، فيُعرب ساركوزي في هذا الكتاب عن رأيه الجريء في هذه الحرب المستعرة بينهما بقوله: أوكرانيا يجب أن تظل محايدة وأعني بذلك ضرورة عدم انضمامها لا إلى الناتو ولا إلى الاتحاد الأوروبي.
يحذر نيكولا ساركوزي من السياسة التي يتبعها إيمانويل ماكرون في هذا الصراع بقوله: «خلال بضعة أشهر، تقهقرت فرنسا إلى الخلف أكثر من ثلاثين عاماً. وأخشى من الأسوأ الذي لم يأت بعد». يشدد ساركوزي على ضرورة أن يُبقي الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون طريق الحوار مفتوحاً مع روسيا». كما أنه يوجه نقداً لاذعاً لماكرون بقوله:»إن فرنسا لا تحارب في الميدان لكنها تشارك في الحرب بتقديمها أسلحة متنوعة باستمرار إلى أوكرانيا».
«الدبلوماسية والنقاش والمحادثات»: هذه هي الثلاثية التي يطرحها نيكولا ساركوزي للخروج من ويلات الحرب في أوكرانيا، وهو بهذا يدعو إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا. أما عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، فيعتقد نيكولا ساركوزي أن «أي خطوة إلى الوراء ستكون من قبيل الوهم»، كما أنه يدعو إلى إجراء «استفتاء لا يمكن الطعن عليه» من أجل «إقرار الوضع الحالي بشكل قانوني».
الجدير بالذكر أن رأي ساركوزي في هذه الحرب أثار استياء العديد من السياسيين وذلك لانحيازه التام إلى جانب الدولة القوية العضو الدائم في مجلس الأمن على حساب أوكرانيا التي تنتمي إلى معسكر دول أوروبا الشرقية الضعيفة. من ناحيتها، أدانت أوكرانيا منطق نيكولا ساركوزي الذي وصفته «بالرأي ذي الطابع الإجرامي» وقالت إن ساركوزي يُعتبر بهذه التصريحات شريكاً مباشراً لروسيا في اعتدائها على الأراضي الأوكرانية. وبحسب ميخائيلو بودولياك أحد مستشاري الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، فإن مبررات نيكولا ساركوزي «للحرب العدوانية» الروسية ضد أوكرانيا ترقى إلى مستوى «التواطؤ المباشر».
** **
- د. أيمن منير