د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
سعدت بلقاء الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن عبدالعزيز العسكر، وفي كل لقاء ألقاه أستفيد من علمه وفوائده، وكان من ذلك ذكره الفرق بين (خَلَفَ) المجرد و(أخْلفَ) المزيد بالهمزة. وذكر ما جاء في (الفروع وتصحيح الفروع) لابن فلاح المقدسي (3/ 396) «(اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَ). (أَجِرْنِي) مَقْصُورٌ وَقِيلَ مَمْدُودٌ [آجرني] وَ(أَخْلِفْ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، يُقَالُ لِمَنْ ذَهَبَ مِنْهُ مَا يُتَوَقَّعُ مِثْلُهُ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك، أَيْ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ. وَمَنْ ذَهَبَ مِنْهُ مَا لَا يُتَوَقَّعُ مِثْلَهُ: خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك، أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً مِنْهُ عَلَيْك».
يزاد الفعل الثلاثي المجرد بحرف، فيكون من ذلك ثلاثة أبنية: أَفْعَلَ وفاعَلَ، وفَعَّلَ، فمن الفعل (خَلَفَ) نجد أَخْلَفَ: يُخْلِف، وخالَفَ: يُخالِف، وخَلَّفَ: يُخلِّف. قال تعالى (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ ) [80-البقرة]، وقال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [63-النور]، وقال تعالى (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ)[81-التوبة].
والأصل أن يكون في المزيد فضل معنى؛ لأن زيادة المبنى تهب زيادة في المعنى، فالمجرد اللازم يُعدّى بدخول الهمزة؛ ولذلك تسمى (همزة النقل)، فهي تنقل اللازم إلى المتعدي، وتنقل المتعدي إلى واحد ليتعدى إلى اثنين. مثال ذلك (جلسَ زيدٌ) تعديه بقولك (أجلستُ زيدًا)، ومثل المتعدي (علمَ زيدٌ الأمرَ) تقول (أعلمتُ زيدًا الأمرَ). وزيادة المعنى هنا تضمُّنُ الفعلِ (جعل)؛ فقولك أجلست زيدًا يعني جعلت زيدًا يجلس. وقد يكون المزيد بضد المعنى لتضمنه الفعل (أزال)، نحو (قسط الرجل): جار، و(أقسط): عدل؛ أي أزال القسوط، وشكى وأشكاه أي أزال شكواه، وأعجمه أزال عجمته. وقد تنقل الهمزة الفعل المتعدي إلى اللازم كما في الفعل (قطَعَ)، تقول: قطَعْتُ النخلَ، وتقول: أقطَعَ النخلُ أي حان وقت قطعه. وقد يكون فَعَلَ مطابقًا لأفْعَلَ من حيث المعنى، جاء في (الخصائص) لابن جنّي (2/ 214) كون «فَعَلَ وأَفْعَلَ كثيرًا ما يعتقبان على المعنى الواحد، نحو: جدَّ في الأمر وأجدَّ، وصددته عن كذا وأصددته، وقصَر عن الشيء وأقصر، وسحَته الله وأسحته». ولعل هذا الاتفاق لاختلاف لغات العرب قال ابن سيدة في (المخصص، 4/ 305) «وَقد يكون فَعَلْت وأَفْعَلت بِمَعْنًى واحدٍ كأنَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا لغةٌ لقوم ثمَّ تختلط فتُستعمَل اللُّغتان كَقَوْلِك قِلْتُه البيعَ وأَقَلْته وشَغَلَه وأَشْغَله وصَرَّ أُذُنَيْه وأَصَرَّ: إِذا أقامهما وبَكَرَ وأَبْكَر».
وأما الفعل (خلَف) فقال ابن دريد عنه في (جمهرة اللغة، 3/ 1260) «وخَلَفَ الله عَلَيْهِ وأخلفَ، وَهَذَا ممّا يُختلف فِيهِ، يُقَال: خَلَفَ الله عليكَ، إِذا رُزئ بِمَا لَا يُعتاض مِنْهُ، فَقَالُوا: خَلَفَ الله عليكَ، أَي كَانَ الله عَلَيْك خَليفَة، فَإِذا رُزئ بِمَا يُعتاض مِنْهُ قَالُوا: أخْلفَ الله عَلَيْك». وقوله مما يختلف فيه أي قد يُفرّق بين معنى المجرد ومعنى المزيد وقد يكونان بمعنًى، ونلمح التفريق في ما جاء في (تهذيب اللغة، للأزهري، 7/ 169) «قَالَ [الفراء]: وَإِذا مَاتَ أَبُو الرجل أَو الأمُّ أَو ذهب لَهُ ما لا يُخْلَفُ. قيل: خَلَفَ الله عَلَيْك - بِغَيْر أَلِفٍ». وما جاء في (عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس، ص: 397) «ويقال عند فقْد ما لا يُستخلف، كالوالدين: خلف الله عليك. وأخلف الله خيرًا مما ذهب لك، وأخلف الله عليك ذاك، عند فقْد ما يُستخلف، مثل المال والولد وغيره».
وأما كون (خلف وأخلف) بمعنًى فيفهم مما ورد في (تهذيب اللغة، 7/ 173) «وَقَالَ الأصمعيُّ: يُقَال: «خَلَفَ الله عَلَيْك بِخَيْرٍ» - إِذا أَدْخَلْتَ الْبَاء أَلْقَيْتَ الألِفَ - و«أَخْلفَ الله عَلَيْك خَيرًا». أي بتعدية الفعل بالحرف أو بالهمزة، مثل الفعل (ذهب به) فهو بمعنى (أذهبه). جاء في (إسفار الفصيح، للهروي، 1/ 482) «(وذهبت به)، فأنا أذهب به ذهابًا وذهوبًا ومذهبًا، فأنا ذاهب به، والمفعول مذهوب به: إذا مررت به معك. (وأذهبته) بالألف أيضًا: بمعناه، فأنا أذهبه إذهابًا، وأنا مذهِب بكسر الهاء، وهو مذهَب بفتحها. (وأدخلته الدار، ودخلت به الدار)، ومعناهما واحد». وقال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)[17-البقرة]، وقال تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنّا الْحَزَنَ)[34-فاطر].
والذي يُنتهى إليه أنه يقال في الدعاء عند فقْد ما لا يُعوض أو هو بمنزلة ما لا يعوض (خلف الله عليك، ويَخْلف الله عليك)، وعند فقْد ما يُعوض: خلف الله عليك بخير أو أخْلف الله عليك خيرًا.
تقول العامة لمن تصرف بحمق أو غباء خلف الله عليه أو يخلف الله عليه، كأنه فقَد ما لا يعوض وهو عقله. ويقول المتحسر على ما فاته «الله يخلف».