وكأنّ الأمر ليس أمرك .. لا يعنيك، بعيدة عنهم وأنتِ بجانبهم، نحيبهم يشعَب القلب، أنتِ تتلفّتين بينهم، لم يلحظوا غياب حزنك وجفاف دمعكِ، طار الفقْدُ بأفئدتهم بعيداً، هل أتلف في حياته كلّ زهرات قلبك؟ هل جفّف منابع الطُهر بين ضلوعكِ؟ لملمتِ حجابك، أرخيتِهِ تحت جبهتكِ كي يستر عينيك الجافتين، قرّعتِ نفسكِ إذ استسلمتْ لماضيه، وحين همّّت النساء بموجة بكاء جديدة خالطتِ حزنهم علّ دمعاً معانداً يتقطّر، ظلّلتِ عينيكِ بمرفقك ولزمتِ صمتاً علّهم يظنونه بكاءً.
تطغى موجات ذكرياته الآثمة الآن على ذهنك، تدفعين بها نحو أقصى ذاكرتك، لاجترارها في وقت آخر، الآن تحضر هيبة الموت وطقوسه الحزينة الباكية، تحاولين استحلاب دمعة هيّجتها أصوات الباكين حولك، وما أن تنجحين في بلوغ مرامك حتى تحلّ ذكراه الدنيئة وتفتكُ بكل دمعة تهمّ بالنشوء.
نادتكِ قائلة سنذهب لنلقي النظرة الأخيرة عليه قبل أن يوارى الثرى، انقدتِ طائعة بلا إرادة منك، تحلّقوا حول جسده المسجى، ملفوفاً بالبياض، بدا لك وجهه وكأنه سيهمّ بضربكِ من جديد، شعروا بقشعريرة جسدك ورجفته، زاد هياج بكائهم الصامت المتفلّت من مسارب حزنهم الأسود وكأنّه هديل حمام، عصركِ حزن قاتم لكن لم يبعث كلّ ذلك دموعاً قاصية معاندة تأبى الحضور.
** **
- عبدالكريم النملة