أ.د.عثمان بن صالح العامر
يذكر لنا الأجداد والآباء أن المتخاصمين كانا يذهبان معاً للقاضي فيقضي لهما بما يدين الله به، ويعود الاثنان وكل منهما راضٍ بما انتهى إليه حكم القضاء (له أو عليه)، وتعود الحياة إلى طبيعتها بلا صدٍّ ولا مشاحنة ولا بغضاء، أما اليوم فالحال اختلف جذرياً عمّا ورد أعلاه فثقافة الانصياع للحق والرضوخ له انمحت أو كادت عند شريحة عريضة منا إلا من رحم الله، فالكثير منا يشخصن القضايا ويعتقد أن الحكم بالحق لخصمه ذو مساس مباشر برجولته ووضعه الاجتماعي ومنزلته في عائلته وربما قبيلته، مع أن المفترض أن يفصل الإنسان بين ذات القضية والذات المتحدثة، ويضع ماهو في صدده في إطاره المحدد دون التوسع في الافتراضات لتشمل جميع مفردات حياته وعلاقاته ووضعه الوظيفي أو الاجتماعي، ولينصاع للحق فالحق أحق أن يتبع، ليس فقط داخل المحاكم القضائية بل حتى في التعاملات الحياتية مع ربك أولاً ثم مع نفسك وزوجتك وأولادك وإخوتك وطلابك وحين التعاملات المالية أو الأحكام الشخصية على الآخرين وهكذا تتسع الدائرة وتضيق حسب اختلاف الطبائع وتنوع العلاقات.
قد يقول القائل، وكيف أجزم أن هذا هو الحق؟، بيّن ذلك ووضحه بجلاء الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي حذر طلابه من زلة العالم، فقال له أحدهم يرحمك الله وكيف أعرف أنه الحق؟، فقال رضي الله عنه: (إن على الحق لنوراً، فإياكم وزلة العالم، فإن الله قد يجعل كلمة الباطل على لسان عالم وقد ينزل كلمة الحق على لسان شيطان) ولذا فالحق لا يعرف بالرجال وإنما الرجال يعرفون بالحق، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا ياالله لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وإلى لقاء والسلام.