زياد بن عبدالله الدريس
(1)
رغم مضي ستة أيام على وفاة ابن خالي وصديقي الغالي عبدالرحمن بن إبراهيم الدريس، ما زلت بين مصدّق ومكذّب للخبر، هل حقاً لن أرى عبدالرحمن في هذه الدنيا مرة أخرى؟!
كانت وفاته -يرحمه الله- فجيعة على قلبي وعلى قلوب محبيه، وذلك لثلاثة أسباب:
أنه لم يكن مسناً فتزداد احتمالات وفاته بشيخوخته، ولم يكن مريضاً فيكون مرضه ممهداً لاحتمالات رحيله، ولم يكن خاملاً فيكون غيابه عن الحياة غير مؤثر أو مفقود.
كان عبدالرحمن في شبابه وفي حيويته وملء السمع والبصر، يملأ المجلس بآرائه الحصيفة ومعلوماته الواسعة وتعليقاته العميقة وقفشاته الساخرة/ الساحرة.
لم يكن عبدالرحمن حياً فقط، بل كان حيوياً،
وفرقٌ كبير بين الإنسان الحي والإنسان الحيوي!
كل ذاك الجمال والثراء اختفى في غمضة عين وسكتة قلب، فسبحان القوي العزيز.
(2)
صداقتي مع عبدالرحمن ومع أبيه إبراهيم- رحمهما الله- من قبله غريبة الأطوار.
كان إبراهيم خالي وأنا صغير، ثم لما كبرت أصبحتُ صديقه (رغم فارق الـ16 سنة في العمر بيننا).
وكان حينها عبدالرحمن صغيراً فلما كبر أصبح صديقي (رغم فارق الـ15 سنة في العمر بيننا).
صداقتي اللاحقة مع عبدالرحمن عوّضتني كثيراً وخففت عليّ الحزن بوفاة خالي/ صديقي.
ورغم هذا الفارق في العمر، فقد قبّلت رأسه مرتين، الأولى: بعدما أسدى إليّ معروفاً لن أنساه ما حييت، وقد داهمته بالقبلة فلم يتمكن من التمنّع.وكنت أمنّي نفسي بمداهمته بالقبلة الثانية يوماً ما، فهو دائم المعروف، لكنه للأسف لم يكن قادراً على التمنع أبداً هذه المرة إذ قبّلته على جبينه وهو مسجّى على نعش الجنائز. ليته تمنّع.. ليته منعني!
(3)
كنت كثيراً ما أتناقش مع د. عبدالرحمن نقاشاً حاداً، وجها لوجه أو واتساً لواتس، وأشعر لشدة خصامنا أني لا أريد أن أراه بعد النقاش شهرا كاملا،. ثم ما يلبث اليوم الواحد أن يمر حتى أشتاق اليه.. كأني لم أره منذ شهر!
وكنت أحظى بطلب أن أركب معه في سيارته عندما نكون في رحلة متعددة الأشخاص متعددة السيارات إلى خارج الرياض. ونتحدث في الطريق عن أشياء كثيرة: عن رحيل خالي إبراهيم المفاجئ، رغم مرور 18 سنة على الحدث. وعن المقارنة بين فرنسا وأمريكا، عن رشاقة الفرنسيين وإشراقة الأمريكان! وعن فجيعتي الطريّة في أبي- يرحمه الله-. ثم في لحظةٍ دامعة يقلب المسار للحديث عن عشقه الجديد لمدريد. وكنا نصل إلى مزرعة ابن العم خالد في سدير ونحن لم ننه أجندة السواليف بعد. وكنت إذا سكتُّ أثناء الطريق قال لي مستحثاً على الحديث: ما ركّبتك معي علشان تسكت!
واستمرت لي هذه الحظوة، إذ ركبت معه في سيارة الجنائز مرافقاً مع شقيقه سعد، الى المقبرة. لكنه لم يطلب مني هذه المرة الحديث.. بل الدعاء.
فاللهم اغفر له وارحمه واجمعنا به في عليين. وأنزل الطمأنينة على قلبي المفجوع به، والسكينة على قلوب والدته وإخوانه ومحبيه أجمعين.