بكل ألم وحسرة وأسى كان ذلك اليوم الحزين عندما فقدت أغلى إنسانة في هذه الدنيا والدتي الفقيدة الغالية (مزنة راشد المغير) أم سليمان ولاشك أن هذه سنة الحياة في خلقه سبحانه وتعالى لقوله في كتابه الشريف {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، كان يوم الجمعة الموافق السابع عشر من هذا الشهر المحرم لعام 1445هجري يوماً سيبقى في ذاكرة كل فردٍ من أفراد العائلة التي خيم عليها جوُّ الحزن لفراقها وقد تمت الصلاة عليها في جامع الشايع في محافظة الرس وسط حضور أعداد كثيرة من المصلين والمشيعين وتم دفنها في مقبرة الرس...
وعندما أتحدث في هذه المقالة عن سيرتها والتي تحمل الكثير من المواقف والذكريات مثل أي إنسان عاش فترة حياته بسيرة حسنة وذكرى طيبة يشهد لها الكثير من الأقارب والجيران ليكون ختام فراقها كما هي تتمنى بحسن الخاتمة وهون الميتة وذلك في يوم جمعة أفضل أيام الأسبوع لتفارق هذه الدنيا في هذا اليوم الفضيل بعد معاناة مع المرض وهي صابرة ومحتسبة ومؤمنة بقضاء الله وقدره كما هو شأن كل إنسان عاش في هذه الدنيا..
ولسنا فقط نحن من فقدناها وكانت رحمها الله تتصف بالعديد من الصفات والسمات في أعمال الخير والإنسانية ومنذ أول حياتها وحتى وفاتها وهي تحمل مواقف متعددة لن تنسى كانت مغرمة ومفرحة مع كل من يعرفها الأطفال قبل الكبار وحبها للأعمال الإنسانية..
وبما أنني أحد أبنائها وأقرب الناس عندي فهي لها أيادٍ خفية في أعمال الصدقة أفضل الأعمال عند الله والتي حث عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن خلال أعمال البر ومن باب ذكر المحاسن لموتانا فإنه حريٌّ بي أن أذكر محاسنها.. نعم يعلم الله أنه بين الحين والآخر إذا صار بيدها شيء من المال تسلمه لي بالخفاء وتحرص عليّ أن أوزعه صدقةً وكما تحرص على توزيع بعض المواد الغذائية وتؤكد دائماً على الصدقة الجارية كما أنها حريصة على التوزيع بين الحين والآخر وتلتمس أوقات الخير ومواسم الخير.. تبلغني وتحرصني بأن لا يعلم أحد من إخواني أنها أخرجت المال الذي بيدها والذي تستلمه منهم نهاية كل شهر كمخصص لها لتوزيعه كصدقات للمحتاجين وتطلب دائماً أن تكون محفظتها مملوءة بفئة الخمسة والعشرة ريالات كي تدخل السرور والفرحة على الصغار بنين وبنات... يدها رطبة وتحزن في ذلك اليوم عندما تكون المحفظة فارغة..كما لها أيادٍ بيضاء على أرامل وأيتام ومساكين حسب جهودها وتجمع لهم ما تقدر عليه وأعرف ذلك تمام المعرفة ويشهد الله على ذلك وسوف يبكونها ويفقدونها ممن تواصلت والدتي معهم بالأرزاق والمال... نعم لطيفة مع الأطفال لها شعبية وبشوشة مع كل من يعرفها من جيرانها قديماً وحاضراً إلى أن داهمها المرض في أواخر حياتها ليكون عنوانها الصبر والاحتساب والإيمان بقضاء الله وقدره..
والحديث يطول عن أمي الحنون ومآثرها الطيبة التي نوجّه لها الدعوات وأقول اللهم لك الحمد لها مآثرها الطيبة وقد ساهمت في أعظم أعمال الخير ليبقى ذكرها أثراً طيباً وتبرعها في حفر الآبار خارج السعودية وساهمت كذلك في تعمير مسجد خاص بها وكانت حريصة جداً على أن لا تفوت الحج والعمرة في كل عام حتى كبرت ورغم كبر سنها التحقت في حلقات القرآن الكريم للكبيرات وتعلمت بعضاً من سور القرآن ومن باب ذكر محاسن موتانا كانت رحمها صوّامة قوّامة في أداء النوافل وملازمة الدعاء والذكر وقيام الليل وكانت تحرص على قيام الليل والله شاهد على ذلك وكان لديها شغف وحب في خدمة الناس وتأمين طلباتهم في أي مساعدة خيرية بل كانت تدفع من جيبها لتهدي كل مالديها وتتواصل مع الجميع وخاصة المحتاجين وحيث إني أحد أبنائها وممن يتواصل معها أعرف جيداً أنها في شهر رمضان المبارك من كل عام الذي هو أفضل الشهور كانت تكثف الاجتهاد في هذا الشهر وخاصة في توزيع الصدقات وكانت تمدني ببعض الأموال وتحرص خاصة في إفطار الصائمين المحتاجين وكانت رحومة.. كريمة لا تحب البخل إطلاقاً.. شرهة في العطاء والبذل والله على ما أقول شهيد.. فاللهم جازها بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفرناً وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنـة واجعل قبرها روضة من رياض الجنة. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)..
**
- ابنها/ محمد عبد الرحمن البطي