اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها من الدول الأوروبية على محاولة فرض سياسة القوة على الدول الأخرى من خلال امتلاك القوة العسكرية المتفوقة والتسلح بسلاح الإرجاف على مختلف الأصعدة الفكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والعسكرية، متخذة من القوة العسكرية ونظام العولمة وسياسة القطب الواحد وسائل لتنفيذ المشاريع الاستعمارية في دول العالم وخاصة في الدول الإسلامية.
ومن المعروف أن الأمة التي ينجح المرجفون في استهدافها والنيل من عقيدتها وقيمها تفقد هيبتها وتنهار معنويات المنتمين إليها بسبب وسائل الإرجاف المحبطة والمثبطة التي يتلقفها المنافقون والذين في قلوبهم مرض في الوقت الذي يغيب فيه خطر هذه الوسائل عن أذهان أولئك المغرر بهم من المخدوعين في الحضارة الغربية، كما ينخدع بهذه الوسائل جهلة المجتمع والطبقة غير المحصنة، الأمر الذي يؤدي إلى اختلاط الحابل بالنابل واتساع الفجوة بين التابع والمتبوع والعالم والمتعلم والمصلح والمراد إصلاحه.
والإرجاف هو استخدام الكذب والأخبار السيئة والمشكوك في صحتها لإحداث الاضطراب الشديد والإرباك المثبط والمحبط وما يترتب على هذا الأمر من إثارة الفتنة وإشاعة الخوف بالترويج للأخبار الكاذبة والسيئة وتلك المثيرة للشك بعد تضخيمها والنفخ في بالونها.
ورغم توسع المفهوم اللغوي والمدلول الرمزي عن تفسير أصل الكلمة وتحديد مكان استخدامها فإن المعنى يتجاوز محيط الحركة والاضطراب إلى حيثيات الإرجاف المُحرَّمة وتداعياته المُجرَّمة.
ومنذ بدء الخليقة والإرجاف بأهل الحق على أشده والأنبياء أكثر عرضة لحالات الإرجاف لأنهم أكثر عرضة للابتلاء الذي يشكل الإرجاف صورة من صوره، والقرآن الكريم يحتوي على الكثير من المواقف التي تقف شاهدة على ما عاناه الأنبياء والرسل من حالات الإرجاف، وما تحلوا به من الحكمة والصبر في التعامل مع هذه المواقف التي تحمل في طياتها العديد من صور الابتلاء وأنواع البلوى.
ومن صور الإرجاف بالأنبياء ذلك الإرجاف الذي تعرض له المسلمون في المدينة المنورة من قبل المنافقين والكفار واليهود حيث مارس هؤلاء المرجفون جميع وسائل الإرجاف للنيل من الرسول صلى الله عليه وسلم والتقليل من شأن المسلمين، وذلك من خلال ترويج الشائعات المسيئة والأقوال الكاذبة والمزورة لإثارة الاضطراب والبلبلة بين المسلمين.
وفي تلك الفترة لم يترك المرجفون طريقاً إلا طرقوه ولا وسيلة إلا استخدموها للإساءة إلى المسلمين، ونسف فكرة تأسيس الدولة الإسلامية وزعزعة الثقة في المستقبل الذي يتطلع إليه المسلمون، متخذين من وسائل الإرجاف المثبطة والمحبطة والمخذلة والمعطلة سلماً يصعدون عليه لتحقيق ذلك، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب الآية 60 {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}.
ونظراً لأن الأخبار الكاذبة والسيئة تغذي الإرجاف فإن هناك ممارسات ذات أساليب منكرة ووسائل قذرة تؤثر في هذه الأخبار وتتأثر بها وهذه الممارسات المؤثرة والمتأثرة تتمثل في الشائعات والتخذيل والتثبيط والتحقير والتعويق والترهيب، وكلها ممارسات مشينة يتخذ منها أصحابها ومن الإفك والبهتان سبيلاً إلى ممارسة الإرجاف وخبث الاقتراف.
وترتيباً على ذلك فإن من أعرض عن الحق واتبع الباطل زين له الشيطان التعاطي مع وسائل الإرجاف ذات الأثر والتأثير ووقع في درك الشبهات وفلك الشهوات وهذا هو حال أهل الإرجاف في الماضي والحاضر حيث لم يتركوا باباً إلا ولجوه في سبيل الإرجاف بالمسلمين والتجني على الإسلام عن طريق الخبر المكذوب والمعنى المقلوب والإمعان في التخذيل والتثبيط والتعويق.
ومن ينظر من منظور تاريخي إلى موقف أهل الكتاب تجاه المسلمين وخاصة اليهود يتضح له كيدهم وإرجافهم بأهل الحق من خلال إثارة الفتن وإشاعة الفساد والأراجيف التي تصد عن الإسلام وتنال من أهله إلى درجة أنه كلما تقدم بهم الزمن ازداد مكرهم واستفحل إرجافهم وشرهم كما يشهد على ذلك التاريخ القديم والحديث.
وتأسيساً على ذلك فإن الغرب ينظر إلى الإسلام بأنه أيديولوجية شمولية تهدد الحضارة الغربية بوصف هذه الأيديولوجية تمثل ظاهرة ذات تاريخ حافل من المصالح المتضادة والعلاقات المضطربة بين الغرب والإسلام.
وتاريخ الاستعمار التقليدي والإرجاف المصاحب له يتكرران في قالب فكري، ويتطوران إلى ما هو أدهى وأمر، إذ ذهب الغرب بعيداً في المبالغة في الإرجاف بشعوب الدول الأخرى، متجاوزين الحدود وكاسرين القيود إلى الحد الذي جعلهم يطالبون شعوب هذه الدول بتقليدهم والدوران في فلكهم الثقافي والفكري لكي يأمنوا مكرهم ويتقوا شرهم، ومّنْ لم ينفذ أمرهم ويستجيب لهم فيما يدعون إليه وصموه بالإرهاب وهددوه بالعذاب وسوء المآب.