د. إبراهيم بن جلال فضلون
تاريخياً، يخضع الاقتصاد لسيطرة أسعار الفائدة المرتفعة، فعندما يكون لديك تضخم مرتفع، ويقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة للسوق المفتوحة بدورة التشديد لقمع التضخم، فإن هذا يؤدي إلى انكماش أو ركود، وهذا يحدث دائماً، سيناريو الإنهاك الكلاسيكي الذي يؤدي إلى الركود، الذي ترتب على حالاته انخفاضات ملحوظة فى الناتج المحلى الإجمالي والوظائف، وقد تصمد العمالة كما فى سيناريو ركود حقبة التضخم فى السبعينيات تقريبًا، فمن الجدير بالذكر أن التوظيف لم يبلغ ذروته إلا بعد ثمانية أشهر من بداية الركود الحاد الذى وقع في 1973-1975.
ولم تفلح الحلول (لليوم الممطر)، الذي سيأتي بغتة كجائحة كوفيد-19، لكن الأرقام وفق الاحصائيات الاقتصادية الأخيرة تثير القلق، فحتى الآن فشل الاحتياطي الفيدرالي في إبطاء التوظيف وتهدئة الاقتصاد من خلال سوق العمل، الذي كان يدخلهُ 600 عامل جديد شهرياً، والآن يدخلهُ فقط ما بين 100: 250 ألف وظيفة وقد يصل إلى الصفر مع دخول الذكاء الاصطناعي مجالات شتى، كما نراها في العلاقة بين مؤشر SالجزيرةP 500 ومكون التوظيف في مؤشر التصنيع وتوقعاته بناء على التاريخ، فالمقدمات تدل على أن الركود الممطر قادم بنسبة 52%، منخفضة عن الربع الثاني من 55% في الربع الأول. لتبقى أعلى من 50% لأربعة من الأرباع الخمسة الماضية زمنياً.
وبناء على السوق يبقى شبح الركود مرجحاً وفق بيانات وفوارق عوائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات وعام واحد. وصل في يونيو الماضي إلى -162 نقطة أساس، فالأولى فتراتها أكبر، لكننا نجد ما يُسمى «انقلاب منحنى العوائد»، ولا ننسى عند مقارنة عائد سندات الخزانة لمدة عشرة أعوام وسعر الفائدة الفيدرالية التي ارتفعت 10 مرات منذ مارس 2022، مع تشديد السياسة النقدية باستمرار حتى وصلت إلى 5.25%-5.50%، بينما عائد السندات لأجل العشرة أعوام حالياً يدور في فلك مستويات 4%، إذاً الركود لايزال ممكناً في عام 2024، والتاريخ قد يُعيدُ نفسه.
ورغم الركود العالمي والتضخم الحادث إلا أن الشرق الأوسط أو بعض دوله في الخليج العربي لم تشهد سوى تضخم بسيط وبخاصة السعودية والإمارات، اللذين أظهرتا مرونة واستقرارًا ملحوظين في إدارة معدلات التضخم. وذلك بسبب الاستقرار في المملكة وحنكة الإدارة السياسية الحكومية والمتينة، التي تُسيرها الرؤية 2030، بقيادة ولي العهد وجهود الحكومة الرشيدة للحد من التضخم والحفاظ على الاستقرار، بجذب وتشجيع الاستثمار والتنمية في المنطقة، قد أصبحت نموذجاً يحتذى ومن أفضل الدول في معدلات التضخم، لقوة اقتصادها بين مجموعة العشرين.
وعلى الرغم من تباطؤ التضخم في عام 2023 مقارنة بـ2022، إلا أنه لا يزال عند أعلى مستوياته منذ عقود، فحتى لو تم تخفيضه إلى معدل «عادي»، فلن يعني ذلك أن الأسعار ستتراجع، خاصة وأن الأجور لم ترتفع بما يتماشى مع التضخم، فقد انفجرت «بالوعة» التضخم طوال عام 2022 مستمرة للآن. ففي الولايات المتحدة، كان الاستقرار بتحديد الزيادة العامة للأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للنقود بمتوسط 8%، بينما ارتفع هذا المعدل في المملكة المتحدة إلى 9% (على الرغم من أنه بالنسبة لبعض المنتجات الأساسية كان أعلى من ذلك)، ولا ننسى أن السعودية قد شهدت تضخمًا بنسبة 2.1% عام 2019، واستطاعت الأسواق السعودية التكيف مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة مُسجلة أدنى معدل تضخم في أي سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2022، ليكون في مايو 2023 بمعدل 2.8%، ومن هنا جاء التفوق السعودي على أسواق العالم الكبرى، بشكل واضح وفق تقرير البنك الدولي، واستطلاع مركز سعودي للرأي بأن 62% لم يشعروا بأي زيادات في أسعار الخدمات، مما يعني أن التضخم لم يغير من عادات المستهلكين في المملكة، وأن الأمور ستعود لنصابها خلال ثلاث سنوات.