د. محمد بن أحمد غروي
الحقيقة المُسلم بها اليوم على الخارطة العالمية هي أن التصنيف السنوي لاقتصادات العالم يعتمد بالدرجة الأولى من حيث القدرة على الابتكار والإنتاج، وهو ما يؤكده مؤشر الابتكار العالمي السنوي العام الماضي (2022)؛ لذلك يرتبط المفهوم الاقتصادي والتنموي بمدى تفوق الأداء الابتكاري، وهي نقطة مركزية إذا ما أردنا تشريح الخطوة النوعية والمتمثلة في إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإستراتيجية جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» الجديدة، التي أَعُدُّها رافعة التنمية السعودية في السنوات المقبلة؛ لكونها تعتمد بالدرجة الأولى على تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي من خلال التركيز على الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار، وهي: صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والطاقة المتجددة، واقتصاديات المستقبل.
ضمن الإطار السابق، أجد من المهم استرجاع بعض ما ذكرته الدكتورة أماني ناصر عواجي (جامعة أم القرى) في ديسمبر 2022 من أن فلسفة تسويق البحوث والدراسات تستند إلى ثلاثة أبعاد رئيسية هي: (الأهداف التسويقية)، وتشمل إشباع حاجات ورغبات المستفيدين، وهو ما يضيف للجامعة قيمة مبتكرة، ويُقصد بـ(الإستراتيجيات التسويقية) الطريقة التي تنتهجها الجامعة في تخصيص المنتجات البحثية وتوزيعها واستخدامها لتحقيق أهداف التسويق البحثي، وتشمل إستراتيجية تمايز المنتج، وإستراتيجية المحيط الأزرق، وإستراتيجية التركيز على قطاع سوقي محدد، و(الأدوات التسويقية)، وتشمل المنتج، والتوزيع، والسعر، والترويج، ويطلق عليها المزيج التسويقي.
من خلال متابعتي لكل ما يتعلق بإستراتيجية «كاوست»، أتصور أننا أمام مرحلة سعودية جديدة من تعزيز التنافسية الاقتصادية، وكانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه بالإطلاق السابق لولي العهد للتطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار، وهي نقطة محورية إذا ما أردنا استيعاب الجهد الكبير الذي ستقدمه -بمشيئة الله- الإستراتيجية الجديدة للجامعة التي استطاعت منذ تأسيسها في ترسيخ مكانتها بوصفها إحدى الجامعات البحثية الرائدة في العالم، بل وأثبتت تميزها العابر للحدود من خلال أبحاثها وابتكاراتها ومواهبها، ما أوصلها إلى مستوى نوعي من صناعة الأثر.
وعلى غرار دول الأسيان المتقدمة بحثيًا وتقنيًا، مثل ماليزيا وسنغافورة، أو دول ذا قوة بشرية وبنية صناعية تقنية كفيتنام و اندونيسيا تحتية مما أسهم في استجلاب الاستثمارات الخارجية للشركات التقنية العالمية، وهو ما يدعم إستراتيجية «كاوست الجديدة» أنها ستركز على أولويات محددة وواضحة، الأمر الذي سيتيح لها مجالات جديدة للشراكات المحلية والدولية، وفتح بوابات كبيرة من الفرص لأعضاء هيئة تدريسها والباحثين والطلاب؛ لتطبيق العلوم والبحوث بسرعة وحجم غير مسبوقين، وتمكينهم من القيام بدور أكبر في الابتكار وخلق الأثر الاقتصادي والاجتماعي في المملكة والعالم.
انعكست رؤية القيادة على صياغة مضامين إستراتيجية الجامعة الجديدة، من خلال تقديم الحلول للتحديات التي لا تواجهها السعودية فقط، بل الإنسانية جمعاء، وهو ما يبرهن صراحة على صناعة أثر مستدام يخدم الجميع، ومَن يعد إلى تصريحات ولي العهد في هذا الإطار، فسيجده يُركز على هذه الجزئية كثيرًا.
ما يُميز المملكة عن غيرها من الدول أنها سبّاقة في الاستثمار بمجالات جديدة على الاقتصاد العالمي، ورغم أن الاقتصاد السعودي قوي ومتطور ومتجدد، فإن تطوير قطاع البحث والابتكار يزيد من قوته وقيمته، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر إنشاء الإستراتيجية صندوقًا للابتكار التقني العميق بميزانية 750 مليون ريال، الذي سيحفز ما يسمى بـ»الاستثمار المبكر» في الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في التقنية الفائقة، لكن ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك تنويع المحفظة الاقتصادية الوطنية، والإسهام في توليد الوظائف التقنية النوعية. وبلا شك، فإن تفوق الدول في البحث والابتكار يأتي من خلال التعليم النوعي، والإستراتيجيات المدروسة، ثم الإنفاق على البحث والابتكار.