الأقارب نعمة وعضد وعضاد، وسعد وعدة وعتاد، متى كانوا يؤدون حق القربى على أتم الكمال، أو أدنى التمام.
لا تكونوا أقارب بالأسماء فقط دون الأخذ بالحسبان والعمل به أن الدم الواحد يجمعكم، وأن صلة الرحم بوصلها اللهُ يرزقكم وينسأ لكم في أثركم.
لا تركضوا وراء الدنيا متلهفين لتحقيق رغباتكم فتعيشوا أيامكم ظانين أنكم قد بلغتم السعادة من دون مراعاة صلة أرحامكم، ومن دون الاهتمام وتلمُّس حاجات أقاربكم، أو حتى دعوتهم لزيارتكم، أو مبادرتكم في زيارتهم والإحسان إليهم.
لا تأخذك الدنيا بغرورها عن الكلمة الطيبة والأعمال الصالحة.. كن قريبًا من أقاربك، وابتعد عما يكدّر صفو مزاجهم، أو مما شأنه أن يدمر علاقتكم ويقطع أرحامكم.
جميل أن تكونوا محاطين بالأقارب، والأجمل صفاء قلوبكم، وتسامحكم، وطيب كلماتكم، وجميل أفعالكم، وقوة تعاونكم، ومساندة ضعيفكم، ومساعدة محتاجكم، وإغناء فقيركم، وإطعام جائعكم، وإحسان بعضكم لبعض، والعمل بشرع الله ومعرفة سننه وتطبيق الدين الإسلامي وأوامره وأحكامه.
قال تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الروم: 38).
وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90).
وقال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 22).
وقال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (سورة محمد: 22-23).
عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه.
وعن مُحَمَّدِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ». قالَ ابنُ أَبِي عُمَرَ: قالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله، ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم. متفق عليه.
وعن أَبي ذرٍّ، قَالَ: قَالَ لي النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ». رواه مسلم.
فهناك من الآيات الواردة في حق القربى في كتاب الله وأيضًا في الأحاديث النبوية غير الذي ذكر، وكل ذلك يدعو للحث على صلة الأرحام وما يترتب من الأجور لمن يصل أرحامه، والحذر من قطعها، ويُعدّ ذلك من الكبائر؛ فلننتبه، والله المستعان والهادي إلى الحق والهدى والصواب والصلاح والتقى والإحسان، وهو سبحانه وتعالى ربنا الذي يدعو إلى الرحمة بالإنسان وبالحيوان وبكل شيء، وهو الرحمن الرحيم الودود الرؤوف.
ما أجملكم وأنتم تجتمعون على المائدة وتفسحون في مجالسكم، وتتعاونون على البر والتقوى.
وما أروعك أيها الإنسان وأنت تترقب أملًا وفرجًا لصاحبك وقريبك في تبدُّل أحواله.
شيء طيّب وأنت تلمح بحب وتقوم بحاجاته، وبفطنة وتمعن تلاحظه وقد انعزل في زاوية المجلس صامتًا أغلب وقته؛ لا تبدو على أسارير وجهه السعادة؛ قد أثقلت كاهله هموم الحياة وتكاثرت عليه الديون، أو أوجعته المصائب، أو خفَّ جيبه وقلَّ رزقه، أو عدة أشياء آلمته وأسرار بيوت متعبة؛ لذا لا تدعه دون عون، ولا تضايقه أكثر، أو تضعه في زاوية حرجة، أو تكدر عليه أمله الذي يأمله، وتخيب ظنونه الحسنة التي يعيش على رجائها من الله.. فعليك ألا تقنّطه من فتح الأبواب واتساع السماوات ورحابة الآفاق ولا تضيق عليه امتداد النظر كعمق البحار، ولا تقلل من وقاره كهيبة المحيطات.
نعم، هذا قريبك، والإحسان إليه من الطاعات التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، فكن أوتادًا له عندما تهتز أركانه، كن عونًا له عندما يقلُّ معينه، كن أخًا له حبيبًا صديقًا، كن رباطة جأش عندما تدهمك أخباره الموجعة؛ فتواسيه وتعطف عليه وتربت على كتفيه وتسند تزلزله بقوة إيمانك وحبك الخير له وتبذل له النصح برفق وترشده بلين.
القريب لك من اسمه قريب ولا بد من قربه، وإلا كان الأجدر أن يسمى القريب البعيد، وأحيانًا يصل الأمر أنه يصل لمرتبة البعيد البعيد، وهذا شر الأمور إن لم يُتدارك؛ فكن القريب القريب ليتطابق اسمك ووصفك وتكون قد كسبت صلة رحمك وصدق قربك، وخير الأمور أن تكون القريب القريب القريب وترجو ما عند الله من الخيرات؛ وهذا مما يسعد قريبك سعادة قلَّما يجدها من غيرك.
هناك من هو البعيد القريب، وهذا غلب وصفه على اسمه ليكون أحنَّ من الكثير من الناس ويكون كقريبك، ومن محاسنه أنه اقترب منك لله وفي الله وشعرت أنت بقربه حتى إنه يشعرك أنه جزء منك وقريب روحك وبلسم جروحك وسعادة حياتك وبهجة أفراحك.
هناك البعيد البعيد، وهذا لا يعوَّل عليه كثيرًا إلا بسابق ودّ ومعرفة قرب وتَشارُك مِلْحٍ وصون عهد وذكر فضل، أو يكون طيبَ الحال أصيلَ المعدن مع الكل؛ ومع القربى أطيبَ وآصَلَ، وإن أطال مدة بعده عنك فلن يقدر ولن يتحمل فيأتيك لله مما يجعله يصل لمرتبة القريب القريب وإن كان من الأباعد الذين يشترون ودَّك ويطلبون قربك ويكون بينكم صلة حب وعلاقات وارتباطات قد تكون دمًا بدم وعرقًا بعرق ويشاركك القربى ولا يبيعك أو ينساك أو يجفوك أو يهملك أو يحقرك أو يحسدك.. صحيح أن القريب البعيد أولى؛ لكن لا يعني هذا أنه لا يوجد أناس أفضل وأناس تبادر وتفعل وتحسن، فليس الطّيب وفعل الجميل محصورًا على أحد دون أحد أو علاقة دون علاقة أيًّا كانت، ولا يُعرف القرب الحقيقي حقًّا إلا من خلال القرب صلة وقرابة وقلبًا ومسافة وودًّا وحبًّا، وهو الذي تصدّق أفعاله أقواله والتي من شأنها أن تحسّسك أنك تملك قريبًا قريبًا قريبًا.
وأسوأ الناس حالًا وشر الأشرار الذي يحسّسك أنك تتعامل مع بعيد بعيد بعيد؛ ومن صفاته قسوة وجفوة وحقد وحسد وبغض وفظاظة وإن كان من الأقارب.
ولهذا أقول لا تكونوا أقارب بالأسماء فقط.
كونوا أقارب بالأفعال الحسنة أيضًا، وهذا لا يعني فعله مع أناس فقط دون آخرين؛ بل مع كل الناس، ولا تكن قاسيًا، كن طلق المحيّا بشوشًا كريمًا واعيًا تقيًّا خلوقًا ذكيًّا ليّنًا جميلًا عظيمًا متواضعًا محسنًا.
من الناس من يريد قربك لنيّاتك الحسنة؛ وصدق أفعالك الطيبة؛ وعفوية حديثك؛ وجمال أسلوبك؛ وحسن منطقك؛ وبشاشة أساريرك؛ ومحاسن أخلاقك؛ ولباقة تعاملك؛ ورُقيّ صفاتك؛ وبراعة حديثك؛ والجمال والصدق في دعواتك لهم، والمهم أيضًا طهر قلبك نحوهم؛ وجودة معدنك اتجاههم؛ ونبل فعلك؛ وسموّ تطلعاتك؛ وحسن النية لرغباتك ولقربك أن تكون لله لله لله.