أ.د.عثمان بن صالح العامر
برعاية كريمة من لدن مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز انعقد مطلع الأسبوع الماضي المؤتمر الدولي (التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والافتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها في رحب مكة المكرمة والذي نظمته مشكورة وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية، تحت شعار (تواصل وتكامل) وشارك فيه 150 عالماً ومفتياً، من 85 دولة حول العالم، واستمر لمدة يومين (الأحد والاثنين)، ويأتي انعقاد هذا المؤتمر ليبرهن على الدور الرئيس للملكة العربية السعودية في نشر الوسطية الدينية، ومحاربة الغلو والتطرف، وفي ذات الوقت يدلل على المكانة الإسلامية التي تحظى بها بلادنا عالمياً. ومع أهمية هذه المؤسسات ذات الصبغة الدينية في حماية الشعوب ووقاية المجتمعات في كل وقت وحين إلا أن تعاظم الخطب وطبيعة المرحلة وتوظيف الدين من قبل جماعات الإسلام السياسي المتطرفة وغيرها من الأسباب والمبررات جعل انعقاد هذا المؤتمر في هذا الوقت بالذات علامة فارقة في مسيرة توحيد الصف وجمع الكلمة وتنسيق الخطط والاسترايجيات وتكامل الجهود لمواجهة الأخطار المتعددة التي تحدق بخطابنا الديني الوسطي المعتدل، وفي ذات الوقت تمهد الطريق لتبني خطاب إسلامي متقارب وهذا ما أكدت عليه التوصيات التي خلص إليها المجتمعون إذ جاء فيها الدعوة إلى مزيد من التواصل والتكامل وتعميق الشراكات في مجال الشؤون الإسلامية بين إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم، بما يحقق وحدة الصف واجتماع الكلمة بين المسلمين، وفي ذات الوقت أكد الحضور على أن أول لبنة في بناء الوحدة الإسلامية هي التوحيد الذي دعا إليه الرسل جميعاً، إذ أن الاعتصام بالكتاب والسنة أصل الدين، وفيهما العصمة من الضلال والانحراف، مع ضرورة التمسك بهما وفق الفهم الصحيح للنجاة من الفتن.
وتضمنت التوصيات ضرورة العناية بالفتوى وضبطها وفق نصوص الشريعة بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد وأخذ الفتوى من أهلها والحذر من الفتاوى الشاذة، وكذلك التأكيد على مسؤولية الإدارات الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في الخطاب الدعوي ومناهج التعليم من خلال تأهيل وتدريب الأئمة والخطباء وتكثيف البرامج في ذلك ومحاربة الغلو والتطرف والانحلال، وضرورة الحفاظ على الأسرة وتحصين النشء وتعزيز القيم والمباديء بما يكفل حماية المجتمعات من موجات الإلحاد والانحلال من خلال برامج نوعية تستهدف الوقاية والمعالجة الصحيحة.
واشتملت التوصيات على وجوب التصدي لمحاولات تشويه الإسلام وبيان حقيقته السمحة ورحمته وعدله وتحريمه للظلم والعدوان، وبيان انحراف مناهج وأفكار الجماعات المتطرفة ومدى جنايتها على الإسلام وأثرها في إذكاء الفتن والفرقة ونشر الفوضى واختلال الأمن في المجتمعات.
وتضمن البيان الختامي استنكار المؤتمر للأعمال البغيضة والمتكررة بشأن حرق نسخ من المصحف الشريف، مؤكدًا أن مثل هذه الأفعال الشنيعة تحرض على الكراهية والإقصاء والعنصرية وتتناقض مع القيم الإنسانية المشتركة.
شكراً صاحب المعالي فضيلة الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية وفريق العمل على إنجاح هذا المؤتمر المفصلي في تاريخ الخطاب الديني المعاصر، والذي أشاد به وثمن جهود القائمين عليه جميع المشاركين فيه، ودمت عزيزاً ياوطني وإلى لقاء والسلام.