ناهد الأغا
منذ عام 1981 من القرن الماضي، وفي فصل الصيف، أقيم على أرض المملكة الأردنية الشقيقة، وفي الشمال منها على مساحات المدينة الأثرية مهرجان جرش للثقافة والفنون، الذي أصبح ركناً رئيسيا ًفي صيف كل عام في الأردن الشقيق، وتتنوع الفعاليات الثقافية والفنية العربية والعالمية كذلك في هذا المهرجان، وتجتمع فعاليات وجمهور أغلبه قادمٌ من البلدن العربية كافة، تقدم الدول والوفود المشاركة فيه من خلال فرقها عروضا ًفلكورية تعكس تراث وثقافة دولها وشعوبها إضافة إلى الأمسيات الموسيقية والشعرية والمسرحيات وعروضاً للأوبرا، وتُقام الأمسيات الطربية والغنائية لمطربين عرب من جميع البلدان العربية، ووقف على مسارحه عمالقة الفن والغناء والطرب بكافة صوره وأشكاله، وأُديت المعزوفات الجميلة، وقدمت العروض الخلابة، ووفد عليها كل موسم شعراء وأدباء ومثقفون وسياسيون شهدوا حدث إطلاق الفعاليات، ممتزجا بذلك جمال الآثار، وإرثها العظيم بجمال الفن والأدب والثقافة.
ولا يغيب عن المهرجان الاهتمام والتقدير للتراث - لكل دولة تشارك في فعاليات المهرجان - النابع والمعبر عن ثقافة وحضارة عديد من الدول، ويعكس هويتها الوطنية والفكرية والحضارية، متزامناً مع الاهتمام بالفنون سواء أكانت موسيقية أم بصرية، فتقام الفعاليات والمعارض التراثية، التي تربط التراث والموروث مع صنوف الإبداع العالمي المعاصر، من خلال مشاركة العديد من الدول، وتحقيق الرسالة المنشودة من إقامة مهرجان جرش بتعزيز روح الحوار بين الثقافات المختلفة والمتعددة.
وكان من حسن الطالع خلال المتابعة لفعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته السابعة والثلاثين، بشعار خاص به هذا العام «يستمر الفرح»، القوة بالحضور والرونق الجميل، الذي كان عليه الجناح السعودي المشارك بفعالية وقوة فائقة لا تضاهى في المهرجان، فمُثلت المملكة العربية السعودية الشماء خير تمثيل في المجالات الثقافية والفنية والغنائية ضمن الفعاليات التي اشتملها المهرجان، فقد كانت ليلة الطرب مع الفنان والمغني السعودي الكبير خالد عبدالرحمن ذات صدى واستحسان فاق جميع التوقعات، ونال إعجاب العديد والعديد من محبي الطرب الرزين، وقدمت الفرق الفنية السعودية المتنوعة ألوانا ومظاهر فنية تحكي قصة تراث أرض وإنسان، وتروى باعتزاز وفخار على الملأ بالداخل والخارج، لتعلم جميع الشعوب عن ذلك الكنز العظيم، الذي تزخر به أرض السعودية وكيف سطر الإنسان فيها وعلى أرضها أروع الملاحم والقصص.
فكان للفن الشعبي نصيبه من فقرات مشاركة المملكة في المهرجان، ووقف الجمهور والمتابعين أمام لوحات ناصعة الألوان من الموروثات الفلكوريوية السعودية، فعزفت فرقة الأوركسترا والكورال الوطني السعودي وغنت أجمل المقطوعات والأغاني الوطنية السعودية، وقُدمت لأول مرة في مهرجان دولي فقرات فنية لفرق غنائية نسائية سعودية قدمت أولاهما من المنطقة الشرقية، والأخرى من عسير، وقدمت النساء فيها أروع الصور في حب وطنهن والفخر بفنونه وتراثه العميق، ولم تغب الفنون الأدائية عن هذه الفعاليات، فقد كان المشاهدون على موعد مع استعراض الفنون الشعبية كفن الدحية، والرفيحي، والخطوة، الينبعاوي، السامري، والخبيتي، راسمة إياها الفرق المُشاركة، التي كانت بإشراف من هيئة المسرح والفنون الأدائية، إضافة إلى سرد ورواية الحكايات والقصص الجميلة المستوحاة من التراث والتاريخ والموروث الشعبي، بسرد ورواية رواة شعبيين.
وللتراث المادي حكاية أخرى، فكان للحرف والمهن ذات الطابع التراثي الوطني قدركبير من الاهتمام والتقديم، وعرض جمال الماضي العريق العتيد، وروح الحاضر القادم، فأبلت هيئة التراث مُقدرة بلاء حسنا ًبعرض المنتوجات الشعبية والتراثية من صناعة البشت الحساوي، والعُقل السعودية، والسدو، وتخصيص معرض لما أُدرج على لائحة التراث العالمي من معالم تراثية سعودية، نالت إعجاب الجمهور جميعاً، وأثارت استحسانهم ورضاهم، لما تعززه من قيم ارتباط الشعوب بأرضها وتاريخها العريق، وتراثها الحضاري المجيد، في كل ذلك يزداد الفخر في داخلي، وداخل من ارتبط بهذه الأرض الطيبة بالحرص على بقاء صورة المملكة العربية السعودية ناصعة مشعة كسطوع الشمس، وهذه المكانة اللائقة بها.