محمد نديم أنجم بيديا
تمثل رقعة شاسعة متمثلة في فضاء رقمي حيث تتلألأ النجوم الرقمية وتبدي الأبراج الافتراضية ناجذَيها عالماً بغابته السحرية ما يُعرف بوسائل التواصل الاجتماعي فهي تقتطع قطعات عملاقة من الأفكار الثورية وتلتقط لقطات منتثرة من العواطف الفياضة على مدى العقود كما تعد بمملكة الاتصالات والاكتشافات وإلا أنما من بين هذه الرقصة الكونية ينبثق ظل مثير للشجن تشكيكاً في الوئام الرقمي الذي تعهّدت بالحفاظ عليه فيما قبل.
ولم تبرح أناملنا تتنقل بين أزقة هذا الفضاء اللا محدود تمريراً بدون انقطاع، مما يشبه الأجسام السماوية تسبح في الفلك. فيقود بنا التمرير اللامتناهي بشكل بالغ إلى متاهة من المعلومات المتوفرة والعلاقات البشرية حيث تُعدّ كل من المنشورات والصور والتعليقات بمثابة مجرّة لامعة بحد ذاتها.
هذا مما نتج عنه أن تأخذ رُقصة الباليه الجذابة هذه ألبابنا فتسلب كفاءة أفكارنا وعواطفنا كما بدت وكأنها سحب الجاذبية والتي تعلق أنفسنا على جدار التفاؤل والتشاؤم . مما نصادفه خلال هذه الرحلة الرقمية الكواكب اللماعة بتألق لا يشق له غبار وما يعكس مظهراً حضارياً من الحياة التي على ما يبدو أُفعمت بالنجاحات والأحلام المتحققة. فبإمكاننا أن نعثر على أنفسنا تندهش من مدى الكوكبة من الازدهار والرقي ولو خطف أبصارنا بريق المفاضلة ولمعانه في هذا المرصد الرقمي بالتعاون مع أن النجوم البرّاقة الرقمية التي تفرض علينا الرقاب ألقت بظلال داكنة في زوايا عقولنا في حين تتسبب في انعدام الأمن والشك الذاتي لإحكام القبضة على الشعور بالقيم الخلقية.
كذلك بقدر ما تتعمق جذورنا في هذه الدائرة بقدر ما تكون بؤرة المصادقة وصلات القرابة توسعت بشكل هائل. قد يتشابك كون الاتصالات تشابكاً متعقداً، لكن مع الأسف الشديد، قلما توجد العلاقات الوطيدة والصداقات الحميمة بين الفينة والأخرى حيث إنها تضيع بين ضجة من التعاملات السطحية. وقد تعرض لنا كوكبة وسائل التواصل الاجتماعي من الإعجابات والتعليقات والمتابعين بروجاً حافزة لكن ربما تُشعرنا بالعوم في بحر الوحشة والخلوة.
فخلف حجاب السرية يتجلى البُعد المتبادل حيث تكاد النزاعات أو الصراعات تندلع في شكل عاصفة رقمية. فتصب المعارك العنيفة بين الأيديولوجيات والمعتقدات غضبها، مما يعكس سلباً على المجتمع الرقمي بشكل عنف طائفي. وفيما نقوم بالرحلة في مثل هذه الطائرة الكوكبية المضطربة تطوّقنا الدوّامة من السلبيات فتحدث آثاراً رهيبة على ثباتنا العقلي، مما يسفر عن تعرضنا للصدام بين النجوم الرقمية رغماً عنا ومما يفضي إلى محاصرة عقولنا بوابلٍ لا هوادة فيه من الآراء المتراكمة والأحكام المتزايدة.
وفيما نواصل الرحلة الكونية يثقل كاهلنا سحب الجاذبية من المصادقة الاجتماعية دفعاً لمنال تأكيدات الآخرين كما يؤدي بنا مسعى طويل الأجل إلى فراغ فارغ ترتبط فيه الكرامة الإنسانية بشكل راسخ بالجوائز الرقمية وكذلك ينتهي بعقولنا الاشتياق إلى القبول العام إلى كونها عرضةً لأهواء الشعبية حتى يحوّلنا إلى الممثلين الافتراضيين على منصة ديناميكية.
لكن هناك يطل أمل ضئيل من رحابة هذا الكون الرقمي فبمجرد أن تتشكل النجوم المجرّة بكل زينتها الخُلقية، تطلع شمس الاتصالات القُحّة من خدرها الرقمي. وباستطاعتنا أن نحضن العلاقات الندية في حين نتمكن من التعرف على كيفية الأخذ بنواصي أمور المقاييس الكونية الرقمية كما يسعنا قيادة القسموس الرقمي بروح يعانقها الوعي التام حفاظاً على صحاتنا العقلية بين الفوضى النشيطة من حيوية الحياة الرقمية.
كذلك نتوصل إلى النتيجة بالغة الأهمية أن السمفونية الأثيرية لوسائل التواصل الاجتماعي تستحوذ بأسرها على صحتنا العقلية ولو ربما يبدو التمرير اللانهائي فيها رحلة مغرية لكن ينطوي على إمكانية إضلال عقولنا .فحرصاً على نظافة أخلادنا تمسنا الحاجة إلى التعامل بحذر والبحث عن صلات ذات معنى وزراعة الوعي الذاتي بين حقول المحبة والاحترام كما هذا ما يمكّننا من أن نشهد التوازن الطبيعي بين النجوم المتبعثرة والأفكار المتجولة في هذا الكون من الكوكبة الرقمية الآسرة.