«الجزيرة» - الاقتصاد:
قفزت أسعار النفط نحو مستوى 90 دولارًا أمريكيًا للبرميل بعد المكاسب المستمرة التي سجلتها منذ الأسبوع الرابع من يوليو 2023. وكان من أحدث العوامل التي ساهمت في دعم الأسعار تزايد طلب شركات التكرير الآسيوية على شحنات الخام الأمريكي بمستويات قياسية في ظل ظهور العديد من العقبات التي شملت ارتفاع درجات الحرارة مما أدى إلى تعطيل تسليم إنتاج خطوط الأنابيب إلى الموانئ. وتم تداول كل من خام غرب تكساس الوسيط ومزيج خام برنت بمعدلات تراجع أكبر مما يشير إلى ندرة الإمدادات على المدى القريب. وساهمت خطط خفض الإنتاج التي أقرتها الأوبك وحلفائها، إلى جانب التخفيضات الطوعية الإضافية من السعودية وروسيا في توفير المزيد من الدعم المستمر لأسعار النفط منذ الشهر الماضي. إلا أن زيادة مخزونات النفط في الولايات المتحدة وكذلك مراجعة البيانات الاقتصادية الصينية التي أشارت إلى انتعاش الطلب في الصين والعالم بوتيرة أبطأ من المتوقع أثر سلباً على وتيرة صعود الأسعار. جاء وفقاً لتقرير كامكو أنفست حول أداء أسواق النفط العالمية.
اتجاه أسعار النفط منذ بداية العام
وكشفت بيانات مخزونات النفط الآسبوعية في الولايات المتحدة عن تسجيل انخفاض قياسي خلال الأسبوع المنتهي في 28 يوليو 2023 بمقدار 17 مليون برميل نتيجة لارتفاع عمليات تشغيل المصافي إلى جانب زيادة صادرات النفط، خاصة إلى المشترين الآسيويين. إلا أن هذا التقرير كان له تأثير ضئيل على الأسعار حيث تزامن مع خفض وكالة فيتش التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، تأثرت الأسعار بإلغاء خطة الحكومة الأمريكية لشراء 6 ملايين برميل من النفط لإضافتها للاحتياطي الإستراتيجي. من جهة أخرى، أظهر أحدث تقرير عن مخزونات النفط زيادة قدرها 5.9 ملايين برميل في الولايات المتحدة لتصل إلى 445.6 مليون برميل مدفوعة بتراجع الصادرات الذي قابله ارتفاع عمليات التكرير. كما أدى ارتفاع الإنتاج والواردات إلى دعم المخزونات.
وعلى صعيد الطلب، لفتت الصين، التي وقعت في براثن الانكماش للمرة الأولى منذ عامين، انتباه مراقبي النفط لما يمكن أن تكون عليه احتمالات الطلب المستقبلي في ثاني أكبر مشترٍ للنفط على مستوى العالم. وأظهر تقرير حديث من الصين انخفاض واردات النفط إلى أدنى مستوياتها المسجلة في ستة أشهر وصولاً إلى أقل حجم منذ يناير 2023، وفقاً لوكالة بلومبرج. كما ذكر تقرير آخر صادر عن «إي إس إيه أي إنيرجي» (ESAI Energy LLC) أن تأثير الإعصار الأخير في الصين قد أثر على التنقل والنشاط الاقتصادي، ونتيجة لذلك، فمن غير المتوقع أن يكون الطلب في الصين خلال النصف الثاني من العام 2023 أعلى من الطلب خلال النصف الأول من العام 2023. من جهة أخرى، أسهم تثبيت سعر الفائدة في الهند في تعزيز آمال ارتفاع الطلب في البلاد. وكشفت أحدث بيانات الطلب الشهرية على النفط الصادرة عن الهند زيادة الاستهلاك بنسبة 1.9 في المائة على أساس سنوي إلى 18.1 مليون طن، إلا أن النمط المعتاد خلال فترة الرياح الموسميةُ أدى إلى تسجيل تراجعاً بنسبة 6.6 في المائة مقارنة بالشهر السابق.
وفي الوقت ذاته، تقلصت الإمدادات بصورة أكبر هذا الشهر عندما أعلنت السعودية أنها ستمدد التخفيضات الإضافية البالغة مليون برميل يومياً في سبتمبر 2023 مع إمكانية تطبيق تخفيضات أعمق وإطالة أكثر إذا لزم الأمر. هذا إلى جانب إعلان روسيا عن تمديدها للقيود المفروضة على صادراتها حتى الشهر المقبل. ومن المتوقع أن يقابل تأثير تلك التخفيضات التباطؤ الذي تشهده الولايات المتحدة على خلفية ضغوط الركود وكذلك البيانات الضعيفة الصادرة من الصين.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
تم تداول عقود النفط الآجلة عند أعلى مستوياتها المسجلة في 9 أشهر هذا الأسبوع بعد صدور تقارير عدة أشارت إلى تشديد أوضاع سوق النفط. وظلت إمدادات النفط مقيدة بسبب تخفيضات الأوبك وحلفائها، وكذلك القيود الطوعية التي أعلنتها السعودية وروسيا، بينما ظل الطلب قوياً في آسيا على النفط الخام وفي الولايات المتحدة على المنتجات المكررة. كما تم تداول العقود الآجلة لمزيج خام برنت حول مستوى 87 دولارًا أمريكيًا للبرميل بعد أن شهدت مكاسب متواصلة منذ 20 يوليو 2023. من جهة أخرى، أدى الهجوم على ناقلة النفط الروسية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي إلى ارتفاع الأسعار. وأشارت آخر قراءة لمؤشر التضخم في الولايات المتحدة إلى نبرة إيجابية لسوق النفط في ظل تسجيل أقل معدل نمو شهري لمؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر أسعار المستهلكين الأساسي خلال شهر يوليو 2023 بنمو بلغت نسبته 0.2 في المائة. وارتفع معدل التضخم الكلي على أساس سنوي بنسبة 3.2 في المائة مما أدى إلى ارتفاع أسعار العقود الآجلة للأسهم بينما انخفضت عائدات السندات حيث يتوقع السوق الآن تثبيت مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة في اجتماعه المقبل.
كما كشف تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج الخام الأمريكي وصل إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ مارس 2020، ليشهد بذلك إحدى أكبر الزيادات الشهرية بنحو 400 ألف برميل يومياً خلال الأسبوع المنتهي في 4 أغسطس 2023 ليصل الإنتاج إلى 12.6 مليون برميل يومياً. إلا أن بيانات عدد منصات الحفر النفطي الصادرة عن شركة بيكر هيوز واصلت إظهار انخفاض للأسبوع الثامن على التوالي ليصل العدد الإجمالي إلى 525 منصة خلال الأسبوع نفسه بعد انخفاضها بمقدار 5 منصات حفر عن الأسبوع السابق.
من جهة أخرى، عكست بيانات أسعار النفط تسجيل سعر سلة الأوبك لأحد أطول فترات الأداء الإيجابي. ونتيجة لذلك، شهد المتوسط الشهري لأسعار سلة الأوبك أعلى معدل نمو شهري في يوليو 2023 بنمو بلغت نسبته 7.8 في المائة، ليصل سعره في المتوسط إلى 81.1 دولار أمريكي للبرميل. وكان معدل نمو متوسط مزيج خام برنت أقل قليلاً عند مستوى 7.2 في المائة، ليصل في المتوسط إلى 80.1 دولار أمريكي للبرميل، بينما شهد خام النفط الكويتي مكاسب أعلى نسبياً بنسبة 7.8 في المائة إلى 82.4 دولار أمريكي للبرميل في المتوسط خلال شهر يوليو 2023. كما انعكس الاتجاه أيضاً على تقديرات الإجماع للنفط الخام إضافة إلى توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وكشفت أحدث التقديرات الصادرة عن وكالة بلومبرج عن ارتفاع توقعات الأسعار هامشياً في الربع الثالث من العام 2023 والربع الأول من العام 2024 في ظل خفضها هامشياً في الربع الأخير من العام. كما أشارت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في توقعاتها الشهرية للطاقة قصيرة المدى إلى إمكانية وصول سعر مزيج خام برنت في العام 2023 إلى 82.62 دولار أمريكي للبرميل مقابل 79.34 دولار أمريكي للبرميل. وبالنسبة للعام 2024، رفعت الوكالة توقعاتها إلى 86.48 دولار أمريكي للبرميل مقابل 83.51 دولار أمريكي للبرميل.
الطلب العالمي على النفط
ظلت توقعات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2023 دون تغيير عن الشهر الماضي عند مستوى 2.4 مليون برميل يومياً وفقاً لأحدث تقرير شهري لمنظمة الأوبك مع توقع وصول الطلب إلى 102.0 مليون برميل يومياً هذا العام. إلا أن البيانات الفصلية للعام شهدت بعض التعديلات. ووفقاً للتقرير، تم رفع بيانات الطلب في الربع الأول من العام 2023 في الدول الأمريكية والأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد قابل هذه الزيادة خفض بيانات الطلب الخاصة بكل من أوروبا وآسيا الأخرى للربع الثاني من العام 2023. وبالنسبة للعام 2024، ظل نمو الطلب العالمي على النفط مستقراً دون تغيير عند مستوى 2.2 مليون برميل يومياً مع توقع وصول إجمالي الطلب إلى 104.3 مليون برميل يومياً.
وأظهرت توقعات المدى القريب للطلب على النفط في الولايات المتحدة استمرار اتجاهات تراجع معدلات التضخم وهو الأمر الذي يتوقع أن يسهم في دعم الاستهلاك. كما يتوقع أيضاً أن يظل الطلب في الولايات المتحدة في الربع الثالث من العام 2023 قوياً بدعم رئيس من زيادة حركة التنقل والسفر الجوي خلال موسم العطلة الصيفية مما سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على البنزين والكيروسين المستخدم في تشغيل الطائرات. إلا أنه من المتوقع أن يؤثر تراجع نشاط التصنيع على معدلات الطلب الخاصة بالوقود الصناعي، وخاصة الديزل. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه خلال الربع الرابع من العام 2023 في ظل ارتفاع الطلب على وقود النقل، وهو الأمر الذي يقابله انخفاض الطلب على الوقود الصناعي. أما بالنسبة للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، هناك اتجاه مماثل حيث من المتوقع أن يستمر ضعف النشاط التصنيعي على خلفية تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي واختناقات سلسلة التوريد خلال النصف الثاني من العام 2023. أما فيما يتعلق بالمنتجات، فمن المتوقع أن يظل الطلب على وقود الطائرات والبنزين إيجابي، بينما من المتوقع أن يظل الطلب على الديزل والبتروكيماويات ضعيفاً.
أما بالنسبة للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، رسمت البيانات الأخيرة من الصين صورة ضعيفة للطلب خلال الفترة المتبقية من العام. وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين لشهر يوليو 2023 في الصين على أساس سنوي. كما أظهرت بيانات التجارة انخفاضاً حاداً في الواردات الشهر الماضي بينما خفض المصدرون صادراتهم مما أدى إلى تراكم المخزون المحلي. إضافة إلى ذلك، أدت زيادة مبيعات السيارات الكهربائية إلى تراجع الوصول إلى ذروة الطلب على النفط في الصين بمقدار عامين إلى العام 2023 مقابل العام 2025، وفقاً لشركة سينوبك. وأضاف مستشار القطاع Mysteel OilChem أنه من غير المرجح أن يصل الطلب على الديزل والبنزين إلى مستويات ما قبل الجائحة هذا العام وذلك في ظل استمرار السيارات الكهربائية في تحدي الطلب المستقبلي.
العرض من خارج الأوبك
تراجع الإنتاج العالمي من السوائل النفطية مرة أخرى في يوليو 2023 بعد أن كسر حالة التراجع التي شهدها على مدار أربعة أشهر للمرة الأولى في يونيو 2023. ووفقاً للبيانات الأولية، انخفض المعروض النفطي العالمي بمقدار 0.2 مليون برميل يومياً على أساس شهري ليصل في المتوسط إلى 100.7 مليون برميل يومياً. وكان الانخفاض مدفوعاً فقط بتراجع إنتاج الأوبك، بينما نما إنتاج السوائل النفطية من خارج الأوبك. إذ ارتفع الإنتاج من خارج الأوبك بمقدار 0.7 مليون برميل يومياً خلال الشهر ليصل في المتوسط إلى 73.4 مليون برميل يومياً، بينما انخفض إنتاج الأوبك بأكثر من 800 ألف برميل يومياً مما أدى إلى انخفاض حصة الأوبك السوقية بنحو 80 نقطة أساس لتصل إلى 27.1 في المائة.
وتم رفع توقعات نمو إمدادات السوائل النفطية من خارج الأوبك للعام 2023 وفقاً لأحدث تقرير شهري صادر عن منظمة الأوبك. ومن المتوقع الآن أن ينمو العرض بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً هذا العام ليصل إلى 67.3 مليون برميل يومياً مقارنة بالنمو المتوقع بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً وفقاً لتقرير الشهر السابق. وتضمنت التعديلات بصفة رئيسة خفض توقعات العرض لكل من كندا (-50 ألف برميل يومياً) وأذربيجان (-11 ألف برميل يومياً) وهو الأمر الذي قابله رفع التوقعات الخاصة بروسيا (+100 ألف برميل يومياً) والولايات المتحدة (+50 ألف برميل يومياً) والبرازيل (+15 ألف برميل يومياً).
كما تم الإبقاء على توقعات العرض للعام 2024 دون تغير يذكر مع توقع تسجيل نمواً قدره 1.4 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 68.7 مليون برميل يومياً. إلا أن التوقعات الخاصة بكندا شهدت مراجعة تصاعدية بمقدار 20 ألف برميل يومياً، وهو الأمر الذي قابله خفض توقعات الإمدادات الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية بالقدر نفسه. وتعكس البيانات الأمريكية استمرار انخفاض عدد منصات الحفر النفطية. ويشير تقرير صادر عن وكالة بلومبرج عن أرباح شركات التنقيب عن النفط في الربع الثاني من العام إلى إمكانية بقاء الإمدادات ضيقة عن طريق الحد من عمليات التنقيب البحرية سعياً لرفع المعدلات اليومية.
إنتاج الأوبك من النفط الخام
شهد إنتاج الأوبك من النفط أعلى معدل تراجع يتم تسجيله منذ أكثر من ثلاثة أعوام في يوليو 2023 وذلك بعد أن شهد الإنتاج نمواً للمرة الأولى منذ أربعة أشهر خلال يونيو 2023. إذ بلغ متوسط الإنتاج خلال الشهر 27.8 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات وكالة بلومبرج، مما أدى إلى تسجيل تراجع شهري بنسبة 0.9 مليون برميل يومياً. وأظهرت بيانات الإنتاج من مصادر الأوبك الثانوية انخفاضاً مماثلاً قدره 836 ألف برميل يومياً، ليصل متوسط الإنتاج إلى مستوى أقل قليلاً عند 27.3 مليون برميل يومياً.
وسجلت السعودية أكبر انخفاض في الإنتاج بنحو مليون برميل وذلك في ظل تطبيقها للتخفيضات الطوعية. حيث أنتجت المملكة ما يزيد قليلاً عن 9 ملايين برميل يومياً، فيما يعد أدنى معدل إنتاج يتم تسجيله على مدار 25 شهراً. وسجلت ليبيا ونيجيريا المزيد من التخفيضات التي قابلها جزئياً ارتفاع إنتاج العراق، وفقاً لوكالة بلومبرج. وكشفت مصادر الأوبك الثانوية عن قيام أنجولا وإيران والعراق وفنزويلا بزيادة الإنتاج خلال الشهر. وبعد إعلان السعودية عن خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً حتى سبتمبر 2023، أظهر تقرير بلومبرج أن سوق النفط العالمية قد تشهد عجزاً في الإمدادات بمقدار 2 مليون برميل يومياً خلال الربع الثالث من العام 2023.
وارتفع إنتاج النفط في العراق بمقدار 40 ألف برميل يومياً خلال الشهر إلى 4.2 مليون برميل يومياً على الرغم من توقف الصادرات من شمال البلاد عبر تركيا. وقد أظهرت التقارير الأخيرة أن الحكومة الفيدرالية العراقية وإقليم كردستان يعملان على صياغة قانون للنفط والغاز لحل الخلاف حول إنتاج النفط وتقاسم العائدات بين المنطقتين.