د. عائشة بنت دالش العنزي
ضجيج السكون:
خرج آخرهم محاولاً رسم ابتسامة رفضت كل زهو الألوان وتدثّرت بصفار باهت.. لوّح بيده ثم استدار ومضى تاركًا لوقع خطاه بذرَ سنابل السم في روحها؛ لتقتاتها عندما تستدعي صوره المحفوظة في شغافها؛ بدءًا بالنطفة التي سكنت أحشاءها وغيرت -احتفاء بها - كل طقوس حياتها.. وطوت بالتجلد وهنها وأوجاع مخاضها ورعشات كف تعبر ملامحه؛ مرورًا بالمهد .. ثم (ماما) التي استعارت لها كل أجنحة الحمائم.. وسقت بها كل حقول الأرض.. ورتلتها بصوته الغض طهرًا على مسامع الكون ومن ينتمي إليه..؛ وانتهاء بساعد قوي ضخ قلبها الدماء إليه؛ ساعدٌ يظلل امرأة أمرته.. فأطاع!
قطعت موظفة الدار ضجيج الخذلان وأشعلت لسكونها مواقد النسيان؛ بإغلاق الباب الذي نسيه مشرعًا!
طيف:
عبرت (أم سالم) صباحهم بشدوها.. أيقظت أطناب الخيام.. وخضاب أكف النائمات، أخبرت القِرَب بظمأ القلوب.. وأكملت بلون الشفق المنصهر فوق جناحيها أساطير استدرجت فضول الصغار وأعيت نهاياتها حيل الكبار.. حلّقت إلى المدى بأمنيات أهل القطين قبل أن يدرك النوم أجفانهم: نقاء.. وماء.. وبعض الكلأ!
احتدام:
تدافعت نحو حنجرتها طلائع سيل هادر.. يحمل كل ما تراكم في روحها من خيبات؛ تدافعت تتبع منابع النور وتبحث عن شطآن تلقي عليها هذا الزبد؛ احتدم في صدرها الصمت والكلام؛ فبين أن تدفن في الأرض صرختها وأن تخطها على الأوراق حروفًا.. كانت حيرتها!
آثرت أن تُودعَها ظلام التراب وصوت الفناء؛ لتحفظ للأوراق بياض بوحهها .. وتنثر فوقها قوت عنادلها.. فتشرب أرواحُ العابرين طريقها ماءً جلبه إلى جنتها الصائمون؛ وبعد حين وجدتها فوق سطورها أشواكًا.. نمّ بها وجه الأرض الغادر.
** **
- أكاديمية جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن.