د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
حين شاهدت أعمال الشيخ عبدالعزيز العويد أعجبت إعجابًا شديدًا بما أنجزه من أعمال مضمونها ومظهرها، فلما كنت في الكويت كلفت المهندس خالد عبدالله السويان حفيد أختي زوج ابنتي ديمة أن يتصل به مستأذنًا بالزيارة، استأذنت في زيارته لأشكره مباشرة؛ لأني رأيت الاتصال أو الكتابة لا تفيان بذلك، فلم يكتف الشيخ بالإذن بذلك بل دعاني إلى وليمة غداء أو عشاء يجمع فيها أهل العلم والأدب؛ ولكني رجوته أن يقبل زيارة خفيفة؛ لأن هدفي التعرف إليه والأنس بمحادثته، وكان اللقاء الموفق في يوم الثلاثاء 19 شوال 1444هـ الموافق 9 مايو 2023م، شكرته في هذا اللقاء لإنتاجه العظيم في هذا الزمن الذي قلّت فيه الأعمال الجادة الموثقة.
ولد الشيخ عبدالعزيز سعود عويّد الشمري في 18/ 06/ 1974م، و(عُوَيّد) تصغير (عايد) أي عائد اسم فاعل من الفعل (عاد)، وتخرج الشيخ بدرجة بكالوريوس شريعة في جامعة الكويت، وحصل على درجة الماجستير في علم النفس من جامعة الزقازيق في جمهورية مصر العربية، أهلته معارفه ومواهبه أن يكون إمامًا وخطيبًا متميزًا، يخطب ارتجالًا بثقة وتمكن، وله عدد غزير من الساعات المرئية والمسموعة ومشاركات في برامج حوارية تلفزيونية، وله أكثر من ثلاثين مؤلفًا، منها (معجم مساجد الكويت، حكايات كويتية، أطلس الشعراء، أطلس المعارك، كانوا ملوكًا، صناع التاريخ خلال ثلاثة قرون، مقامات العويد، حكايات سعودية، ذكريات برلمانية، معجم شوارع الكويت، سحابة الكويت تمطر العالم، أطلس القراء، تحديث معجم البلدان، عبدالرحمن السميط أسطورة العمل الإغاثي، ملتقطات العويد، معجم تاريخ الحج، قطر أثر وخبر).
اهتم الشيخ العويد بتاريخ الجزيرة العربية خاصة، وامتاز بسعة اطلاعه وتعدد مصادره، وهو دقيق في استقرائه وتخيراته، وتجده يستوعب ما صح لديه من شأن ما يتحدث فيه، وهو يحسن الحديث عن ذلك في برنامجه على تطبيق (يوتيوب) أو (السناب)، يمتاز الشيخ بقدرة عظيمة على التحدث المتواصل الذي لا يعيبه حصَر أو فأفأة ولا تناله حُبسة، يتوجه إلى مشاهده اتجاهًا مباشرًا من غير أن يشغله بما يصرفه عن السماع، متعه الله بصوت رخيم واضح المخارج مكتمل الصفات لم تشبه بحّة مزعجة ولا غنّه مستكرهة، صوت هادئ يقع في السمع موقعًا حسنًا، أما لغته فهي العربية الفصيحة الحديثة المتجنبة لوحشيّ الكلام، وهو مع هذا مرتفع عن المستوى اللهجي ما لم يكن الحديث عن لهجة، والشيخ واسع الثقافة وبخاصة في تاريخ الجزيرة وجغرافيتها والأنساب واللهجات، وأنجز حديثًا منصة (أطلس اللهجات العربية) وهو حسب علمي أول أطلس شبكي يجمع بين الإمكانات الاتصالية المختلفة: الصوت، والخط، والصورة الثابتة والمتحركة، موقع جميل يمتع الصغير والكبير.
ولم يودعني الشيخ إلا بهدية قيمة هي ما كان لديه عتيدًا من كتبه، وهي (على أطلال الأندلس) كتاب نشرته مكتبة آفاق عام 2012م، في 160 صفحة، عن زيارته الأندلس، وهي ليست زيارة سياحة؛ بل زيارة توثيق ينقلها في برامج تلفزيونية، وهو يقيدها بهذا السفر بالكتابة وبالصور الملونة، قال في مقدمته «لذا تضطرب المشاعر وهي تروي هذا التاريخ، فتارة أضحك، وتارة أبكي...». وهذا ما كان من أمري حين زرت الحمراء وعدت إلى غرفتي في الفندق قرأت قصيدة الرندي وقصيدة نزار قباني(1) ثم أجهشت بالبكاء كطفل يتيم. وأما (صناع التاريخ خلال ثلاث قرون) فنشرته دار آفاق للنشر، الطبعة الخامسة عام 2016م، في 470 صفحة، وليس الكتاب عن حكام أو عسكريين بل عن أساتذة وعلماء وشيوخ علم كان لهم أثر بالغ محمود في مجتمعاتهم، يبدأ الكتاب بالحديث عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وينتهي بالأستاذ عبدالعزيز الناصر. وأما (ملتقطات العويد 2) فنشرته نشرة ثانية دار آفاق للنشر عام 2018م. في 384 صفحة، والكتاب جملة من الأخبار والطرف والفوائد اللطيفة ثمرة قراءات الشيخ الكثيرة في الكتب اقتنصها وجمعها في كتاب هذا جزؤه الثاني ليمتع القارئ معه، ومن طريف ما وقع عليه نظري صدفة في الكتاب مجموعة (الكتابة على الجدران) وكنت أظن هذا السلوك حديثًا؛ فإذا به قديم ومن أمثلته ما جمعه أبو الفرج الأصبهاني في كتابه (أدب الغرباء)، وأما (حكايات سعودية) فنشرته دار آثار للأعمال التاريخية، طبعة أولى في عام 2022م، والكتاب كما قال الشيخ في مقدمته «جُمَل كنت قد نشرتها مرئيًّا تحت عنوان (حكايات سعودية) فليس هذا الكتاب كما هو معلوم حصرًا لتاريخ المملكة العربية السعودية بل هو انتقاء لما نشرته مرئيًّا فقط». وليس الكتاب حكايات سردية بل هو سجل حوادث وأخبار طريفة حقيقية لا من نسج الخيال.
وأحسب أن أعمال الشيخ عبدالعزيز سعود العويد مراجع رائدة في بابها ستفيد الباحثين في التاريخ والاجتماع وآداب الشعوب، متع الله الشيخ بالصحة والتوفيق والرضا.
** ** **
(1) قصيدة أبي البقاء صالح بن شريف الرندي (ت 798هـ) يرثي الأندلس، ومطلعها:
لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصانُ
فلا يُغرَّ بطيب العيشِ إنسانُ
وقصيدة نزار قباني (ت 1419 هـ) ومطلعها:
في مدخل (الحمراء) كان لقاؤنا
ما أطيب اللقيا بلا ميعادِ