أُغْلِقَ المعهد العلمي في الدلم لقلّة طلابه بعد نهاية العام الدراسي 1444هـ، ونُقِل الطلاب إلى مدارس أخرى! وبذلك طُويَ تاريخٌ عريق..! ومن المفارقات أن إغلاقه تزامنَ مع بلوغه ستين عامًا (سنّ التقاعد النظاميّ)!
على مواقد جمر الوجد مُستعِرا
تُقَلِّبُ الذكرياتُ القلبَ والبصرا
ننال في الدهر أوطارًا وتنهبها
صروفه.. فكأنّا لم نَنَلْ وطرا!
أكلما أمطرتْ أيامُنا رغدًا
هبّت رياحٌ يُلاشي عصْفُها المطرا؟!
يا وَيْحَ من ظلَّ مشتاقًا إلى زمنٍ
ماضٍ؛ لقد رامَ أمرًا في المنى عَسِرا!
إذا تضاءلَ في عينَيْه مُبْتعِدًا
ماضيه أثقلَ جنبَيْه الجوى كِبَرا!
وليس يملك كَبْحَ الوجد حين نما
وليس يملك ثَنْيَ الدهر حين جرى!
وأتْعَبُ الشوق أن تشتاقَ مُنتَزِحًا
لا يعرف الوصلَ إلا خَطْرةً وكَرى!
واهًا لأطياف ذكرى لا تُزايلني
أرى بها المعهد العلميَّ مزدهرا!
كم استطَبْتُ ارتشافَ العلم فيه ضحىً
كما استطَبْتُ وأصحابي به السمَرا!**
نراه كالروض فينانًا فنقصده
ظِلًّا.. ونبعًا.. ودوحًا مُثمرًا خَضِرا
يأوي رجالٌ له.. ذا يستظلُّ به..
وذاك يَسقي.. وهذا يَطْعم الثمرا
طال اشتياقي لأيامٍ به قَصُرتْ
أشكو إليه ومنه الطولَ والقِصَرا!
من بعد ما بِنْتُ عنه ظَلْتُ مُصطبِحًا
جوىً ومُغتبِقًا من حَرّه صَبِرا
أتيته وأنا صادٍ لموردِهِ
فهالَني أن نبْعَ الرَّبْعِ صار ثرى!
والَهْفَ من سار نحو النبع من ظمأٍ
وحين وافاه ألفى النبعَ مُنْحسرا!
وكان عهديَ أن الربعَ مزدحمٌ
بوارديه، فما لي لم أجد أثرا؟!
وكان بالأمس مأهولًا بهم جَذَلًا
واليوم أصبح مأهولًا بهم عِبَرا!
ولم تزل أربُعُ الأحباب خاليةً
منذُ امرئ القيس تَفري أكْبُدَ الشُّعَرا
قد كان قبلُ كبيرًا.. شامخًا.. زمنًا
ولم يزلْ لو تهاوى الصرحُ واندثرا!
إن الرزايا لشتّى في قساوتها
وإن أقسى الرزايا نكبةُ الكُبَرا!
يا أيها المعهدُ العلميُّ في دِلَمٍ
أوصدتَ بابكَ لكنْ طيبُك انتشرا
من كُوَّةِ الباب يَذكو الطيبُ منبعثًا
يستنشقُ الغدُ منها أمسَكَ العَطِرا
من مَرَّ بالروض تنفحْهُ أزاهرُهُ
طيبًا ولو شيّدوا من حوله الجُدُرا
أوصدتَ بابك.. لا شُحًّا.. ولا مللًا
بل امتثلتَ قضاءَ الله والقدرا
وكان بابك مفتوحًا لقاصده
ويحمد الناس منك الوِرْدَ والصدَرا
كأنما كان مِصْراعاهُ إذ فُتِحا
يَدَيْ كريمٍ يُحيّي كلَّ من عَبَرا
بسطتَ دهرًا لمرتاديك قاطبةً
موائدَ العلم! طاب العلمُ منك قِرى!
ستين عامًا بثثتَ العلم منبثقًا
نورًا، ومندفقًا من فيضه نهَرا
والواردون حياضَ النهْر ما انقلبوا
يومًا ظِماءً.. ولم يَنْضُبْ.. ولا كَدُرا
كم ارتوتْ من سواقي فضله زُمَرٌ
طَوالَ ستينَ عامًا تقتفي زُمَرا
وليس عُمْرُك محدودًا بمُدَّتها
بل سوف تحيا بكلٍّ منهمُ عُمُرا
أوصدتَ بابكَ لكنْ غيرُ مؤصَدةٍ
أبوابُ تاريخك الزاكي الذي غَبَرا
تاريخُك النضْرُ يَسْبي النفسَ منظرُهُ
والنفسُ تُسْبى بما احْلَولى وما نَضِرا
ستون سِفْرًا بأقلام السَّنا سُطِرتْ
وقيمة السِّفْر قد تغلو بمن سَطَرا
إذا تَصَفّحَها القاري ليقرأها
ما عاد في وسعه أن يملك النظرا
ترتاب حين تراه قارئًا! أطوى
جفنَيْهِ للغمض أم جفناه ما فتَرا؟!
كأنما كلُّ سِفْرٍ مُمْسِكٌ طَرَفًا
من جفنه لو أراد الغمضَ ما قدِرا!
تطوف عيناه فيها وَهْوَ في دَهَشٍ
من حُسْنِها، كلُّ سِفْرٍ خازنٌ دُررا!
أجلْ؛ ستودَعُ من آثار روعتها
كنزًا لدى مُتحَف الأمجاد مُدّخَرا
** كنتُ وبعض الزملاء نلتقي في المعهد العلمي مساء يوم الأربعاء كلَّ أسبوع؛ لممارسة الأنشطة غير الصفية، ونتنافس في برامج ثقافية واجتماعية ورياضية متنوعة
** **
- فهد بن علي العبودي