سهوب بغدادي
فيما نعاصر الثورة الرقمية ونعايش التقليعات المتواترة بشكل يومي، تبرز لنا محتويات غريبة وعجيبة، بدايةً من الاستعراض بالملابس والممتلكات، وصولًا إلى استعراض الأكلات ولا أقصد محتوى الطبخ والوصفات المعهودة، إنما التنقل من مطعم إلى مطعم بهدف تقييم الطلبات بشكل تمعني وغير معهود، فآخر عهدنا عن تقييم المطاعم -لجيل الطيبين- أن المطعم «لذيذ» أو «ممتاز» أو «غير جيد» أما ما نتعرض له اليوم من تقييم نجوم مشيلان و»لو كوردون بلو» أمر يفوق الشخص العادي وتوقعاته، حتى أصبح الأطفال مقيمين لأكلات المنزل وطبخ الأم، «ماما نعطي طبخك اليوم 6 من 10» أو «الكيكة ليست هشة كما المفترض» أو «درجة ميوعة الخليط غير صحيحة» وقس على ذلك، كان كل شيء من أيدي الأمهات لذيذاً، وأي كعكة مبهرة ومبهجة فقط لأنها كعكة ومرتبطة بالفرح والمناسبات، وقد تكون المناسبة فقط حصور ضيف، ما أبسط الأيام الخوالي, من ناحية أخرى، نرى محتوى إلكترونياً مستهجناً من وجهة نظري، وغير مقبول، باعتبار أن الشباب والشابات متعلقون ومرتبطون به بشكل وثيق، ألا وهو «الأبراج» حيث توجد العديد من الحسابات التي تختص بنشر الحظوظ اليومية والتوقعات، وسمات الشخصية والتوافق مع الأبراج الأخرى، وهو غير مقبول لسبب، هل يعقل أن جميع خلق العالم يندرجون ضمن 12 شخصية فقط؟ إن خلق الله أوسع وأكبر وأعقد من 12 برجًا، وإن كانت هناك سمات وجدتها في نفسك وقد تكون عامة وموجودة في أي شيء آخر، فلماذا الحكم على الآخرين بناءً على أبراجهم، بل الأغرب من ذلك وهو موقف شخصي، عندما باشرت أول يوم في الوظيفة سألتني مديرتي «كنت أرغب بسؤالك في المقابلة الشخصية ولكنني نسيت، فكنت أظن أنها ترغب بالاستفسار عن مؤهلي أو خبرة سابقة فقالت، إيش برجك؟» فقلت لها: لماذا؟ فقالت: فقط أريد أن أعرف شخصيتك ولأرى إن كنت سهلة الانقياد أم لا، فأجبت برجي الفلاني، وإن كان برجي ليس الفلاني فعلى كل الأحوال أنا لا أنقاد بل أقود، بالتأكيد، تم نقلي من القسم في أول أسبوع، أعتقد أن برجي لم يكن جيدًا, كما تطور الموضوع لدى بعض الفتيات بمشاهدة المنجمات، وهو ضرب من ضروب التنجيم يدعى «التاروت» وهي مجموعة من البطاقات أو الكروت عليها رسومات وأرقام يزعم أنها متعلقة بالحياة والوظيفة والمال والحب، فتجد ملايين المشاهدات كل شهر ويتعلق أصحابها بالوعود المقدمة لهم خلال الشهر أو السنة، بل إن البعض يقومون بالتواصل المباشر مع هلاء الروحانيين-كما يسمون أنفسهم- وتحويل مبالغ لهم للحصول على قراءة خاصة ومختصة بحياة الفرد، فلو توقف الإنسان وسأل نفسه عن سبب بحثه الدؤوب عن المستقبل لعلم أن جمال المستقبل يكمن في بعده وعدم انكشافه، وقيمة الماضي تتجلى في توظيفه لخدمة يومك الحاضر، إن هناك محتويات غير ملائمة في ظل الانفتاح الرقمي الكبير وأكبر دور الجهات المعنية كهيئة الإعلام المرئي والمسموع على تقييمها للمحتوى واشتراط التصاريح المتوافقة مع المحتوى، إلا أنني أرى أن المحتوى المرتبط بالتنجيم البحت وتوقعات الأبراج المستقبلية لليوم والشهر والسنة جديرة بالرقابة أو المنع في حال تجاوزها قيمنا الإسلامية، ختامًا، هناك فلتر ذاتي يجب أن يفعله الشخص بحيث تكون الرقابة على المحتوى ذاتية نابعة من الشخص ومدى وعيه بنفسه وما يجري حوله.