مها محمد الشريف
الأحداث المتسارعة في النيجر عقب إطاحة الرئيس محمد بازوم، تؤثر بشكل كبير على المصالح الأجنبية داخل البلد الإفريقي، والذي يعتبر أهم مصدر لليورانيوم لفرنسا وأهمية بالغة بإنتاج الطاقة لأهم دولة في الاتحاد الأوروبي، وتمتلك سادس أكبر احتياطي في العالم من اليورانيوم وثروات أخرى رغم الفقر المدقع الذي تعيش فيه البلاد، إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية.
وحيث إن الأحداث تصاعدت بشكل سريع تباينت ردة الفعل الأمريكي والأوروبي، وقال المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، إن التدخل العسكري في النيجر هو الخيار الأخير، وأمرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» بتفعيل قوة احتياطية من المحتمل أن تستخدم ضد المجلس العسكري في النيجر، قائلة إنها تريد استعادة الديمقراطية بشكل سلمي، لكن جميع الخيارات، ومن بينها العمل العسكري، كانت مطروحة على الطاولة، وكان من المتوقع أن تبدأ إيكواس في تشكيل قوة قوامها آلاف الجنود بعد أن تحدى المجلس العسكري موعداً نهائياً محدداً في السادس من أغسطس لإعادة بازوم إلى السلطة، وقال المجلس العسكري إنه سيدافع عن البلاد ضد أي هجوم أجنبي.
تصبح الأشياء أكثر تعقيداً عندما تكون التداخلات عنيفة وملابسات الحادثة بشعة، ومهما كانت الحال، فإن بازوم لم يكن مرحباً به سواء من المجموعات العرقية التي تشعر بأحقيتها في الحكم أو من بعض أركان الجيش، وهذه هي النواة التي تتولد منها الحروب والانقلابات والثورات، فقد كانت الإشارات واضحة من خلال المحاولات التي جرت لتغيير الحكم، كل ذلك يعكس حجم الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة، هنا الرفض أحدث ضجة واكتسب تأييد العسكريين على التجربة الديمقراطية الوليدة ونالت الأولوية.
وقيل إن وزراء بريطانيين يخططون لزيارة دولة النيجر، لا شك بأن الإستراتيجية الأميركية في القارة السمراء تعمل من اجل الحضور وتأكيد دورها الكبير والموسع لتقطع الطريق على الصين وروسيا وتقف بكل قوة كند قوي، فعلى مدى أكثر من عام، كان المسؤولون الأميركيون والأوروبيون قلقين بشأن ما يسمونه موجة من المعلومات المضللة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي في غرب أفريقيا، التي انتشرت بقرب حدوث انقلاب.
وإن كان التحذير من المخاطر التي ينطوي عليها التهديد بالحرب قد أمسى عملاً روتينياً، فالنيجر «المحاصر» ينتظر ثلاثة قرارات لمواجهة الحالة الانقلابية، وهي اجتياح مؤجل لقوات «إيكواس» وإنزال متوقع لأسلحة أميركا وانتشار جنود فرنسا، فهل القوة الاحتياطية لمجموعة «إيكواس» جاهزة للتدخل؟، أم أنها تخشى إشعال الوضع في منطقة الساحل الأفريقي التي تشكو أصلاً من هشاشة أمنية ودواعي انقسام؟.
لذلك سنطرح مجموعة من الأسئلة، هل الانقلاب العسكري وضع النيجر في عزلة إقليمية ودولية؟، وهل ترضخ للعقوبات الدولية؟، لا سيما أن البلاد ينتظرها مصير غامض بعد انتهاء المهلة لإعادة تسليم السلطة، وهل هناك فرصة لإعادة النظر وتجنب الحرب؟ علماً أن نصف سكان النيجر يعيشون تحت خط الفقر على رغم الموارد الهائلة التي يزخر بها هذا البلد مثل اليورانيوم والذهب، وربما شعر البعض بالإحباط، وهناك أسباب لهذا الإحباط، لوجود كثافة سكانية تتصاعد قدرت بـ3.9 في المئة سنوياً، إذ قفز عدد السكان من 20 مليوناً عام 2016 إلى 26 مليوناً هذا العام.
لابد إذن أن تتسم الأحداث بالواقعية وإن كانت مشحونة بالمآسي، فالنيجر تقبع في المرتبة الأخيرة من مجموعة 188 دولة عام 2015 في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، مما يزيد الضغوط على الانقلابين الذين يواجهون إرثاً ثقيلاً من الأزمات الأمنية والاقتصادية التي من الصعب حلها في ظل قطيعة مع الشركاء التقليديين في الخارج، وكلنا أمل أن تكون النيجر قادرة على مواجهة التقلبات لتبقى على المسرح العالمي وينطوي الاندحار الشامل الذي ينشر ظلاله على البلاد وتداعياته، فالسلام أمل كل الشعوب.