نوف بنت عبدالله الحسين
جالس البسطاء واستكشف من خلالهم رفاهية البساطة، من خلال كاسة شاي بنعناع، وصحن فول مدمس، وحوار بسيط مليء بالحياة.
ارتبطت الرفاهية في أذهاننا بالماديات، رغم معناها الواسع والعريض الذي يشمل الرفاهية الاجتماعية والرقمية والنفسية والروحية والعاطفية وغيرها، إنما رفاهية البساطة هي البساطة بمعناها البسيط جدًا دون تكلفة، بل هي سلوك محبب، حيث قيل في المثل اللاتيني: (البساطة أم الفضائل).
أنت تستطيع أن تأكل في مطعم فاخر وبمبلغ كبير، لكنك افتقدت استشعار التفاصيل، ثم تنتهي متعة المطعم دون تجربة تحملها في ذاكرتك ووجدانك، وفي المقابل قد تذهب إلى بوفيّة متواضعة، وبثلاثة ريالات تطلب ساندوتش كبدة بالشطة، مع عصير أفوكادوا بسبعة ريالات، مستكشفًا من خلالها الرفاهية المختبئة في البساطة، يالها من رفاهية أن تشرب عصير أفوكاوا بسبعة ريالات!
إن الانخراط في عالم البساطة يهذّب توقّعاتك، حيث ما لا تستشعره في مكان فاخر، قد تجده بسهولة في أعين البسطاء، فالبساطة تجدد من دهشتك، وتعيد بوصلتك لاستكشاف لذة الأشياء، وتملؤك بالكثير من المشاعر الهانئة، فكما قالت هلين كلير: (سجادة خضراء من العشب، أو إبر الصنوبر الأسفنجية، أحب إليَّ من سجادة فارسية)! فاسمحوا للبساطة أن تغمركم في تفاصيل حياتكم، ففي البساطة جمال.
إن البساطة إيقاع متناغم يتماشى مع ذواتنا التائهة بين زحمة التفاصيل المرهقة، فما بين وتيرة الحياة المتسارعة نحتاج إلى فاصل مع رفاهية البساطة، في زاوية بسيطة، بعيدًا عن النزف الذي يللاحقنا في عالم مادي لا يرحم.
البساطة تساعدك على الاسترسال مع نفسك بلا تكلّف، وأن تبهجها بلا تعقيد. تخلّص من الأعباء الثقيلة في أن تكون مواكبًا لكل أحد، أرتض بالبساطة رفيقًا وأسلوبًا للحياة، ابتعد عن كل ما يعكّر صفو الحياة بالتعقيد، كن بسيطًا في تعاطيك مع الأمور، وتعامل في حياتك مع الحلول البسيطة، واستمتع برفاهية البساطة.
هناك زميل لي في العمل يلهمني كلما تعقّدت الأمور بعبارة بسيطة لكنها مطمئنة، أسمع صداها الآن وأنا أكتب المقالة، يتسرّب صوته وهو يقول: (بسيطة، بسيطة)، إنه يمارس البساطة حتى في أشد اللحظات تعقيداً، فهنيئًا له.