د. محمد بن أحمد غروي
الكثير يتساءل اليوم، كيف وصلت سنغافورة إلى هذا المستوى العالمي كأفضل المدن استدامة؟، هذا من الأسئلة التي أُسأل عنها بانتظام في المجالس الخاصة، انطلاقًا من كوني باحثًا متخصصًا في رابطة دول الآسيان.
فعليًّا تُعد هذه الدولة الواقعة على جزيرة في جنوب شرق آسيا، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة الملايو، من أفضل دول العالم في التخطيط والتصميم الحضري، بشهادة مؤشرات ازدهار المدن الصادر عن منظمة الأمم المتحدة.
ماقامت به سنغافورة في إعادة تصميم تخطيطها الحضري يحتاج إلى مقالات كثيرة؛ نظرًا لثراء تجربتها التي مرت فيها من تحت الصفر، حتى وصلت لمستوى الاستدامة التنموية الشاملة، لكن من المهم الإشارة إلى أن النهضة السنغافورية لم تكن وليدة اللحظة بل كانت نتائج جهود حثيثة جبارة، تحولت فيها العشوائية التي كانت قبل نصف قرن، إلى دولة يُضرب بها المثل في التنمية الحضرية، واسألوا في ذلك بطل الدولة السنغافورية «لي كوان يو.
بحكم زياراتي المتكررة لها، دائمًا ما ألاحظ جمالية المدينة وخلوها من التشوهات البصرية المختلفة، وبرأيي أن هذا أحد المُحددات الرئيسة التي عملت عليه النهضة السنغافورية، وهو عامل مساهم جعل منها نموذجًا للنجاح التنموي الشامل، وتطبيقها لاستراتيجيات طويلة المدى؛ عززت وحسّنت من جودة حياة سكانها.
الخدمات البلدية المعروفة اختصارًا بـ»MSO» والتابعة لوزارة التنمية الوطنية، نجحت فعليًّا في استدامة العناصر الجمالية للمدينة، من خلال بناء معايير حافظت على جمالية المدينة من التشوهات البصرية، التي قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تنمية سنغافورة؛ ويعود ذلك إلى انعكاس النظرة العامة للزوار من الخارج، وعلاقته باستقطاب الاستثمارات، والأهم في كيفية الحفاظ على البيئة المثالية المدنية.
أسهمت العوامل البلدية في تعزيز الجمالية البصرية للمدينة، من خلال العمل المستمر وبناء وعي سلوكيات المجتمع وإشراكه في الحفاظ على الصورة اللائقة للدولة، وشهدت ذلك عيانًا عندما رأيت بعض مواطنيها يعملون كمراقبين ذاتيين؛ لتنبيه بعض أصحاب الأملاك على ضرورة أخذ التدابير الاحترازية للحفاظ على الأملاك العامة أثناء طلاء أو تجديد واجهة منازلهم.
ما يحصل عندنا اليوم في قطاع البلديات بالمملكة، بقيادة وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وأمانات المناطق والمدن، في مسألة القضاء على التشوهات البصرية في مدننا السعودية، لا يختلف عما سارت عليه التجربة السنغافورية، أو التجارب البلدية الأخرى في الدول المتقدمة، التي استطاعت تحقيق الامتثال في مكافحة كافة الأشكال المُتعددة لهذه التشوهات، عبر التشريعات والأنظمة، وزيادة الوعي السلوكي لدى المواطنين والمقيمين، يُضاف إلى ذلك المقومات الهادفة إلى تعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية، انطلاقًا من مستهدفات برنامج جودة الحياة أحد أهم برامج رؤية المملكة 2030.
وبعيدًا عن التشريعات النظامية والامتثال بها؛ التي تُسهم واقعيًّا بشكل إيجابي في تحسين جودة حياة السكان، ورفع مستوى الاستدامة، إلا أنه من المهم أن يكون هذا الملف تحديدًا على رأس أولوياتنا المجتمعية؛ لأنه يُسهم في رسم صورة لائقة عن المملكة وشعبها، والسلوك الحضاري الذي يتمتعون به في المحافظة على البيئة وحماية المرافق العامة والخاصة.
ختامًا، يجب أن ننطلق هنا من المسؤولية الوطنية للأفراد والجهات المعنية في القطاع البلدي، وأتساءل هنا - كمثال- لماذا يُصر البعض في الحفاظ على سياراتهم التالفة المنتشرة في أحيائهم السكنية، رغم أضرارها البيئية المؤذية لهم ولعوائلهم ومحيط حيهم السكني، خاصة أننا نسير في طريق النهضة التنموية السعودية التنموية الشاملة.