عبده الأسمري
ما بين عذب المشاعر وعذوبة الشعر حوّل «الشعور» إلى «نصوص» ناطقة اكتملت «بدراً» في أفق «التجارب» وتكاملت «جبراً» من عمق «المشارب».
حوّل «القراءة» إلى منظومة من «المعارف» حتى أجاد «العزف» على «أوتار» الثقافة بألحان «شعرية» وقدم لها «مهر» المهارة فمنحته «جهر» الجدارة فظل «الابن» البار للأدب الذي امتلك «الرموز» السرية لفتح «خزائن» الانفراد.
ظل في «سباق» مع بُعد نظر باكر و»وفاق» مع وقت «انتظار» مبكر حتى جال في «ميادين» التأليف وكتب عناوين «الألفة» بين قصائد «صامدة» أمام «تيار» السنين» وعوائد «خالدة» حول «مسار» اليقين».
تجاذب مع العزلة وتروحن مع الوحدة ونازل «السخرية» كاتباً فوظفها «مقالاً» وعانق «المعاناة» إنساناً فاستضافها «إحساساً» ليكون «العابر» على «عتبات» الحنين والصابر أمام «ويلات» الأنين.
إنه الأديب والكاتب والشاعر الراحل حسين سرحان رحمه الله أحد أبرز الشعراء والأسماء الأدبية في السعودية والوطن العربي.
بوجه دائري تطغى عليه «سحنة» البداوة بحكم الأصول وتتجلى فيه «ومضة» الحضارة باحتكام الفصول وتقاسيم تزهو فيها خيوط «النشأة» وخطوط «التنشئة» مع عينين براقتين تلمعان بالذكاء وتسطعان بالدهاء وأناقة وطنية ومحيا باهر الحضور زاهر التواجد يتماثل مع «شخصية» ودودة الطبع جادة الطباع أصيلة التعامل نبيلة التواصل وصوت خليط من لهجة حجازية ولكنة مجازية مسكون بتراتيل «الذكريات» ومفتون بمواويل»الحكايات»ولغة فصيحة «الخطاب» حصيفة «الجواب» تعتمد على «اختصار» القول وتتعامد على «انتصار» الحديث وسيرة انتماء ونماء بين «أرجاء» البادية و»أصداء» الحاشية وعبارات «شعرية» واعتبارات «نثرية» ومفردات لغوية عميقة اللفظ شيقة المعنى تتعالى من «مخزون» احتراف وتتباهى من «مضمون» استشراف تسمو بالشعر من «إلهام» الموهبة وتزهو بالشعور إلى «مقام» الهبة قضى سرحان من عمره عقوداً وهو يخدم وطنه بروح «المتفاني» ويؤصل شعره ببوح «المعاني «ويرسم «خرائط» الأدب بألوان وطنية خضراء وأبعاد ثقافية عصماء ويؤصل في «قوائم» الثقافة حظوة «الشعر» وسطوة «النثر» وقيمة «الحرف» وهمة «الحرفية» شاعراً وأديباً ومثقفاً بنى صروح «الإنجاز» من لبنات «الاعتبار» وجنى طموح «الاعتزاز» من ومضات «الاقتدار»..
في مكة المكرمة موطن الطهر ومنبع النور ولد عام 1916م في حي المعابدة «الشهير» المكتظ ببطولات «الساهرين» على بوابات «المعرفة « وانطلقت «تباشير» الفرح وتعابير «السرور» على محيا والديه وأسرته وتناقل سكان المكان وعابرو الزمان النبأ المبارك بأهازيج «البهجة» وانتثر أريج الفرحة ليملأ الحي المكي بومضات الاحتفاء و»مجسات» الاحتفال.
تفتحت عيناه على والده «العصامي» النبيل الذي عمل في مراقبة «بيع المواشي» بتكليف من الملك عبد العزيز وارتهن صغيراً لمناهج «الأصالة» في منازل أجداده لوالديه مشايخ وأمراء المعابدة «أهل» الثقة والخدمة والرأي لدى أسرة آل سعود المالكة.
ملأ والده الوجيه قلبه بموجبات «التوجيه» وأنارت والدته طفولته بهبات «الأدعية» فتربى في «أحضان» الفضائل التي تسربت إلى أعماقه وهو محاط بالضياء المشع من جنبات الحرم المكي والذي غمر داخله بالسمو الروحي والرقي الوجداني.
ركض مع أقرانه بين أحياء أجياد والحجون وجبال النور وخندمة مخطوفاً إلى مناظر «التقى» ومشاهد «الحسنى» في جموع المصلين والمعتمرين وهم يتوجهون إلى المسجد الحرام فظل يرتقب الصلوات ببراءة الطفل وعفوية المحب وانتظار الشغوف ليمضي نهارات اليقين منصتاً للألحان السماوية في مكبرات الصوت وللتلاوات القرآنية من حناجر الأئمة وتعتقت نفسه باكراً بروحانية الشعيرة أمام مقام إبراهيم وحجر إسماعيل وتشربت روحه طمأنينة الشعور حول الحطيم وصحن الطواف فكبر محفوفاً بأرصدة «التقوى» التي استعمرت فؤاده وغمرت قلبه.
مضى سرحان يرتب «مواعيد» الأمنيات على مرأى والديه كل مساء قبل أن يودعهم بقبلات البر على جبينيهما متأبطاً كشكوله الملون الممتلئ بخربشات «أولى» سابقة تحولت إلى «إضاءات» مُثلى لاحقة كان الشعر فيها «مشروعاً» ينتظر بصمات «الطفل» الموهوب الذي استأثر ببصائر الحكماء من عشيرته الأقربين الذين حولوا «التوقعات» بشأن نبوغه الباكر إلى «تأكيدات» تجلت كوقائع في وقت وجيز.
انتظم دارساً بمدرسة الفلاح متخذاً من الخلوات الذاتية مع النفس مكاناً قصياً وركناً شديداً أوى إليه وظل يكتب فيه الشعر بتفوق مدهش جذبه حيث «القراءة» ونحو «الاطلاع» فآثر الطفل الموهوب «الانسحاب» من روتينية «الدراسة» والانجذاب إلى «ذاتية» التعلم فظل يعاقر «الكتب» ويعتصر «المعلومات» ويشحذ ذهنه ويكتب أشعاره على أضواء «النبوغ» ثم ارتهن إلى مسارات تجارة مبكرة وعمل في بدايته موظفاً بفرع مصلحة اللوازم العامة بالطائف ثم انتقل للعمل سكرتيراً بوزارة المالية، ثم أصبح رئيساً للجنة التنفيذية لتوسعة الحرم المكي وتعين أيضاً مشرفاً على قسم الثقافة في صحيفة البلاد وظل وقتاً مرافقاً للملك فيصل حين كان نائباً في الحجاز ومن ضمن حاشيته، وكان من كتاب المقالات الأوائل المبدعين في الكتابة القصصية والمتميزة وكتب في صحف أم القرى، البلاد، عكاظ، الرياض، ومجلة المنهل.
عمل مسؤولاً في مطابع الحكومة السعودية إلى أن تقاعد عام 1973م.
تجرع في حياته مرارة وفاة ابنه محمد وابنته هيا وتأثر كثيراً برحيل ابنته «مزنة» التي توفيت عام 1957م، وكتب فيها قصيدة رثاء شهيرة تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية وبقيت له ابنتان.
نُشر له 3 دواوين هي الطائر الغريب، وأجنحة بلا ريش، والصوت والصدى.
وألف سرحان حوالي 13 قصة بطابع اجتماعي وأصدر رسالة في إحدى وعشرين صفحة أسماها (في الأدب والحرب) عام 1978م وترجم له كأحد شعراء الحجاز ضمن كتاب عبد السلام الساسي (شعراء الحجاز في العصر الحديث)، إضافة إلى تراجم أخرى.
وأصدر الأديب عبد المقصود خوجة أعمال حسين سرحان الكاملة في ثلاثة مجلدات, وجمع يحيى ساعاتي 54 مقالة ونشرها في كتاب (من مقالات حسين سرحان) وذلك عام 1979م. وأصدر نادي أدبي الرياض كتاباً بعنوان: (آثار حسين سرحان النثرية: جمعًا وتصنيفًا ودراسة) في ثلاثة مجلدات.
وأصدر عبد الله الحيدري عنه كتابين الأول بعنوان آثار حسين سرحان النثرية: جمعًا وتصنيفًا ودراسة والثاني حسين سرحان قاصًا: دراسة في نصوصه القصصية مع الجمع والتوثيق عام 2005 وأصدر أحمد بن عبد الله المحسن كتاباً بعنوان شعر حسين سرحان: دراسة نقدية عام 1991 وقد تمت مناقشة أدبه في رسائل ماجستير ودكتوراه في جامعات سعودية وعربية.
جمع سرحان بين الشعر القديم والحديث باتجاهيه النبطي والفصيح وامتطى صهوة «النثر» وأقام «صرح» القصة وسبر «أغوار» المقالة وصهر «الرومانسية» في «قوالب» أدبية فاخرة وسطر «الواقعية» في «أبيات» شعرية أنيقة.
توفي حسين سرحان عام 1993 بمكة المكرمة وبوفاته رحل أحد رواد ورموز الأدب السعودي وقد أبقى للثقافة العربية والإنتاج الشعري إرثاً ثرياً بجواهر «العطاء» ودرر «السخاء» والتي أضاءت أصداء الذاكرة بإشعاع معرفي قويم وسطوع أدبي مستديم رغم هروبه من «الأضواء» وانخراطه في «الانطواء».
حسين سرحان سيد جيله وخبير رعيله وكبيرهم الذي علمهم «الشعر» والربان الأدبي الذي عبر» بحور «النظم» واختال على «مراسي» القوافي واحتفل أمام «مرافئ» النص واعتلى «ذاكرة» النقد وتغنى بمقامات «الكتابة».