د.عبدالله بن موسى الطاير
وأنت تكتب عن المثلية عليك أن تتلمس طريقك في حقل من الألغام، قد تهلك من الخطوة الأولى وقد تموت في آخره؛ هناك رصد دقيق لما يكتب وسيكون جزءاً لا يسقط بالتقادم من ذاكرة الدول والمنظمات الدولية. أمضيت وقتاً معتبراً قبل كتابة هذه المقالة أبحث عن إجابة موثوقة لسؤال مشروع: ما الدوافع الحقيقة لفرض المثلية على البلاد والعباد من مطلع الشمس إلى مغربها؟
لأنها أجندة الليبرالية، وحتى نفهم الفارق بينها وبين المحافظة تشير بعض الدراسات إلى وجود فروقات نفسية بين الفئتين من حيث كيفية معالجتهم للمعلومات والعواطف والمخاطر. على سبيل المثال، فإن عمليات مسح الدماغ تُظهر أن المحافظين لديهم فص مخي أيمن أكبر وأكثر نشاطاً، وهي المنطقة المعنية بالتعبير عن الخوف ومعالجته؛ المحافظون يدركون التهديدات والأخطار في العالم من حولهم، وبالتالي يفضلون الاستقرار والنظام والتقاليد. في المقابل يمتلك الليبراليون المزيد من المادة الرمادية في القشرة الحزامية الأمامية، وهي المنطقة التي تساعد على التعامل مع عدم اليقين والصراع. قد يفسر هذا سبب انفتاح الليبراليين أكثر على التجارب والأفكار ووجهات النظر الجديدة وأكثر استعداداً لتحدي الوضع الراهن بالثورات والمظاهرات والشغب.
الأمر لا يتعلق بحقوق المثليين وحرياتهم، وإنما ذي صلة بأهداف سياسية وأيديولوجية أبعد. دليل التسويق النفسي الصادر عام 1987 بعنوان «إصلاح أمريكا المستقيمة»؛ الاستقامة في هذا السياق تعني العلاقة بين ذكر وأنثى، رسمت استراتيجية تسويق المثلية على تخفيف من حساسية الأمريكيين تجاه المثلية، وجعلهم ينظرون إليها بلا مبالاة، بدلاً من الانفعال الشديد عندما يتم ذكرها، منطقهم هو أن المثلية لا تمثل تهديداً جسدياً أو مادياً أو أمنياً فلماذا التشنج؟ سرعان ما يعتاد المرء على سماع المفردة والتعامل مع ألوانها وشخوصها وتستمر الحياة ... ويضيف الدليل: يجب التقليل من أهمية صور الجنس، وتقليص حقوق المثليين إلى سؤال اجتماعي مجرد بعيداً عن الدين، والعادات، والتقاليد، والسياسة. وسائل الإعلام المرئية والأفلام والتلفزيون هي أقوى صناع الصور في الحضارة الغربية... في حين أن الرأي العام هو أحد المصادر الأساسية للقيم السائدة، وأن السلطة الدينية هي المصدر الثالث؛ عندما تدين الكنائس (والمعابد) المحافظة المثليين، هناك شيئان فقط يمكن القيام بهما للتشويش على رهاب المثلية لدى المؤمنين، ويحددهما الديلي بأولاً، بتعكير المياه الأخلاقية، وهذا يعني الإعلان عن دعم الكنائس الأكثر اعتدالاً للمثليين، وإثارة الاعتراضات اللاهوتية المعتدلة حول التفسيرات المحافظة لتعاليم الكتاب المقدس، أي نقض النص من داخله، وفضح الكراهية وعدم الاتساق في الرواية الدينية، وثانياً، العمل على تقويض السلطة الأخلاقية للمعابد المعادية للمثليين من خلال تصويرها على أنها متخلفة وغير متوافقة مع الحداثة... يجب إخبار العامة أن المثليين ضحايا القدر، لا يملكون قبول أو رفض خياراتهم... يجب أن تستخدم الحملة الإعلامية للترويج لصور الضحايا المثليين المشاهير المسالمين للتقليل من إحساس التيار السائد بالتهديد، مما يقلل بدوره من الحذر تجاه الحركة.
يقول أحد القساوسة البولنديين إن أنصار المثلية يتصرفون «مثل المافيا، يريدون القيام بثورتهم من أعلى إلى أسفل، من خلال الاستيلاء على مراكز القوة والإعلام. إنهم يفترسون عامة المواطنين لفرض أيديولوجياتهم بالقوة». في المقابل تنادي الناشطة المثلية بولا إيتلبريك بالدفع بمعايير «النوع والجنس والعائلة إلى أتون عملية تحويل نسيج المجتمع ذاته... يجب أن نضع أعيننا على أهداف توفير بدائل حقيقية للزواج لإعادة ترتيب نظرة المجتمع للواقع بشكل جذري».
يرى المحافظون في أمريكا أن الهجمة شرسة وانتقلت من قبول النوع الجنسي -خلاف الذكر والأنثى- وتطبيع علاقتهم بالمجتمع، إلى استهداف الأطفال الأمريكيين من قبل اليسار بمحتوى جنسي وأيديولوجية جنسية مدمرة، ولا يشتكون من القوى الثقافية في الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي والترفيه فحسب بل يرون أن حكومات الولايات ومجالس المدارس المحلية متورطة، وأن الرئيس جو بايدن وقّع في أول يوم من ولايته «أمراً تنفيذياً يفرض على جميع المدارس العامة التي تتلقى الأموال الفيدرالية اعتماد سياسات التوجه الجنسي والهوية الجنسية»، ومن يعترض من أولياء الأمور يصنف إرهابياً محلياً، وكأن الأسرة الأمريكية هي المهدد الرئيس لأمريكا وليست الصين أو روسيا؛ العدو الأول لأمريكا هو أمهات وآباء أمريكا.
في طريق البحث عن إجابة لسؤالي وجدتني أمام كم مهول من الروايات الإيجابية عن المثلية. إننا محاصرون بسرديات ذات لون واحد، ولا مجال للخروج عن الخط المرسوم بعناية.
الثورات التي قامت قديماً على أساس التحول إلى الأنظمة الجمهورية، أو إلى الديموقراطية ستحدث في مستقبل غير بعيد على أساس الجندر والمثلية، وستعصف بالأنظمة السياسية بدعم من القوى الغربية الليبروا-ديموقراطية، والمنظمات الدولية التابعة لها.