د. علي بن صالح الخبتي
مفهوم الجبل الجليدي أو جبل الجهل في الإدارة قديم طورته سيدني يوشيدا في دراسة لها عام 1989، ويسلط هذا المفهوم الضوء على التوزيع الضعيف للسلطة والمعلومات داخل التسلسل الهرمي في الشركات والمؤسسات، ويقضي بأن دراية قيادات الشركات والمؤسسات بالمشاكل الحقيقية التي تواجهها ضعيفة.. وخلصت سيدني يوشيدا في دراستها إلى أن «4 % فقط من مشاكل الخط الأمامي للمؤسسات والشركات معروفة من قبل الإدارة العليا، 9 % معروفة من قبل الإدارة الوسطى، 74 % من قبل المشرفين و100 % من قبل الموظفين».
كما أن بعض الرؤساء التنفيذيين يقومون بتفويض بعض صلاحياتهم المتعلقة بالقيادة التي هي أساساً مسؤولية الرؤساء التنفيذيين.. كما أن مستوى دراية ومشاركة الرؤساء التنفيديين في أمور شركاتهم يختلف باختلاف أسلاليب إدارتهم وثقافة إدارة تلك الشركات والمؤسسات ومستوى تأهيل أولئك الرؤساء ومعرفتهم للمشكلات وطرق التعامل معها.. وتتساءل سيدني: لماذا لا يزال جبل الجهل موجوداً وكيف نقوم بتذويبه؟ أورد في كتابه: إنجاز العمل بسرعة خرافية، يقول «أنا أتواصل مع موظفي شركة ميكروسوفت من العامل إلى أكبر موظف في الشركة وأشجعهم على التواصل معي عبر الإيميل وأشجعهم على أبلاغي بالأخبار السيئة، ولا أحب سماع الأخبار الإيجابية لأنها مريبة بالنسبة لي.. وهكذا أعرف كل ما يتعلق بميكروسوفت وأتعامل مع كل الإيميلات وأرد على بعضها»، ومما يجب عمله لتذويب جبل الجهل ما أوردته بعض الدراسات من أنه من المهم أن لا يشعر الموظفون بالإهمال وأنه يجب إشراكهم في اجتماعات مناقشة المشكلات وإعطاء الفرصة لهم لعمل مداخلات حول المشكلات وطرق تحسن الخدمات، وأن يقوم الرؤساء التنفيذيون بإعطائهم الفرصة والحرية للحديث عن المشكلات وسماع آرائهم حول طرق حلها وأساليب التحسين والتطوير والتنظيم. وكما يفعل بل قيتس يجب أن تعمل كل الشركات والمؤسسات على تسخير التقنية للسماح بتدفق المعلومات وسماع كل الأخبار عنها. فشل كل الشركات مرجعه تربع رؤسائها التنفيذيين على قمة الجبل الجليدي أو جبل الجهل، يعرفون القليل جداً عن شركاتهم ومؤسساتهم ولا يسمحون لموظفيهم بالتواصل معهم فضلاً عن إبلاغهم بالأخبار السيئة.. بل يعتبر مشاغباً من هم أمينون وصادقون ويتحدثون عن السلبيات الموجودة في شركاتهم أو مؤسساتهم.. بعكس بل قيتس الذي يسمح بكل ذلك والذي أوصل مايكروسوفت إلى ما وصلت إليه.. جبل الجهل عُرف منذ عام 1989 وافترض أن العاملين في قمة الشركات والمؤسسات يعرفون القليل عنها ولا يسمحون بالحديث عن سلبياتها.. وتقول الدراسات إن هذا المفهوم ما زال موجوداً منذ ذلك التاريخ.. وبالرغم من وجود تغيير في الشركات والمؤسسات بفعل التقنية إلا أن أساسيات هذا المفهوم ما زال موجوداً.. جرب أن تتحدث عن السلبيات الموجودة في شركتك أو أن توصل حقيقة تؤثر سلباً فيها..
كما أوردت دراسة في عام 2020م تأكيد أن جبل الجهل بين كبار المسؤولين التنفيذيين ما زال موجوداً .. وأن هناك خللاً معرفيًا بين هؤلاء المسؤولين عن شركاتهم ومؤسساتهم ووجود تصور لديهم للطريقة التي يجب أن تعمل بها مختلف إدارات شركاتهم ومؤسساتهم بتناغم للوصول إلى الأهداف التي رسموها مما يشكل عبئاً كبيراً للتعرف على التحديات المستقبلية..ويتضح ذلك في معرفة الفجوة بين ما يجري في غرف اجتماعات الصف الأول في الشركات والمؤسسات وبين ما يقوم به الموظفون من أعمال في مكاتبهم على أرض الواقع..
وتتسع الفجوة وتكبر المشكلة عندما لا يعرف الرؤساء التنفيذيون للشركات والمؤسسات النتائج الضارة للقرارات التي يتخذونها ومردودها السلبي على شركاتهم ومؤسساتهم، وذلك فيما يتعلق بجودة العمل وجودة المنتج والثقافة التي يمكن أن تلحق أضرارًا بالغة بالشركة أو المؤسسة على المدى الطويل.
وخلاصة القول، فإن الجبل الجليدي أو جبل الجهل ما زال موجوداً في كثير من الشركات والمؤسسات وأن مديرين كثر فيها ما زالوا يتربعون على قمة ذلك الجبل وأنه يجب التنبه إلى سلبياته وتأثيره على شركاتهم ومؤسساتهم، وقد أوردت الدراسات حلولاً للتخلص من تأثيره أوردناها هنا باختصار.